باب الطواف بالحجر
سننت ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا شيبان، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن الأسود بن يزيد
عن عائشة، قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحجر، فقال: "هو من البيت" قلت: ما منعهم أن يدخلوه فيه؟ فقال: "عجزت بهم النفقة" قلت: فما شأن بابه مرتفعا، لا يصعد إليه إلا بسلم؟ قال: "ذلك فعل قومك، ليدخلوه من شاؤوا، ويمنعوه من شاؤوا، ولولا أن قومك حديث عهد بكفر، مخافة أن تنفر قلوبهم، لنظرت هل أغيره فأدخل فيه ما انتقص منه، وجعلت بابه بالأرض"
حِجرُ إسماعيلَ هو البِناءُ الدَّائريُّ الذي حَولَ الكَعبةِ مِنَ النَّاحيةِ المُقابِلةِ للحجَرِ الأسوَدِ والرُّكنِ اليَمانيِ، وهو على شَكلِ نِصفِ دائرةٍ يُلاصِقُ الرُّكنينِ الشاميَّ والعِراقيَّ، وهذا الحِجرُ جُزءٌ مِن الكعبةِ، ولكِن لَمَّا هُدِمَت الكعبةُ وبنَتْها قُريشٌ لم تَسَعْهمُ النَّفقةُ فاقتَصَروا على هذا البناءِ.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها سَأَلَت النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الكَعبةِ وهل الجَدْرُ -أي: الحِجْرُ- جُزءٌ منها؟ فأخبَرَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه منها؛ لِمَا فيه مِن أُصولِ حائِطِه، ولكنْ لِقِلَّةِ ذاتِ يَدِ قُرَيْشٍ، وقِلَّةِ النَّفقةِ الطَّيِّبةِ التي جَمَعوها، لم يَستَطيعوا إتمامَ كلِّ الكَعبةِ على قَواعدِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، فلمْ يُدخِلوه في البَيتِ، وأخْبَرَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لولا قُربُ عَهدِهِم بالكُفرِ، ومَخافةُ إنكارِ قُلوبِهم؛ لَأدخَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحِجرَ في البَيت، وأعادَ بِناءَه على قَواعِدِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، ولَألْصَقَ البابَ بالأرضِ؛ لأنَّهم قدْ رَفَعوه عن الأرضِ حتَّى يُدخِلوا مَن شاؤوا ويَمنَعوا مَن شاؤوا، وفي الصَّحيحَينِ: «فجعَلْتُ لها بابينِ: بابٌ يَدخُلُ الناسُ، وبابٌ يَخرُجون».
وفي الحديثِ: دَليلٌ على ارتِكابِ أيسرِ الضَّررَين دَفْعًا لأَكبرِهما؛ لأنَّ تَرْكَ بِناءِ الكَعبةِ على ما هو عليه أيسرُ مِن افتِتانِ طائفةٍ مِن المسلِمينَ ورُجوعِهِم عن دينِهِم.
وفيه: أنَّ النُّفوسَ تُساسُ بما تُساسُ إلَيه في الدِّينِ -مِن غَيرِ الفَرائِضِ- بأن يُتْرَكَ ويُرفَعَ عن النَّاسِ ما يُنكِرون مِنها.
وفيه: أنَّ النَّاسَ غَيرُ مَحْجوبينَ عن البَيتِ.