باب العفو عن القاتل 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: قتل رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله، والله ما أردت قتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للولي: "أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار" قال: فخلى سبيله. قال: وكان مكتوفا بنسعة، فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة (2).
العَفوُ مِن الأُمورِ المحمُودةِ والطَّيبةِ، والعَفوُ عنِ العُقوبةِ خَيرٌ من الخَطأِ فيها، وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رضيَ اللهُ عنه: "قتَلَ رَجلٌ"، أي: وقعَ رجلٌ في جَريمةِ القَتلِ "على عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم فرُفِعَ ذلكَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم"، أي: رُفِعَ شأنُ القاتلِ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم لِيَقضيَ فيهِ، "فدَفَعه إلى وليِّ المقْتولِ"، أي: مكَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم ولِيَّ المقتولِ من القاتلِ وجعَلَ شأنَ القاتلِ بيدِه بعدَ أنْ أعْطاه له، فقالَ القاتلُ: "يا رَسولَ اللهِ، واللهِ ما أردتُ قتلَه"، أي: لم أقصِدْ قتلَه عَمدًا، بلْ وقعَ منِّي القتلُ خطأً، قالَ أبو هُريرةَ: فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم للوليِّ: "أمَا إنَّه إنْ كانَ صادِقًا ثمَّ قَتلْتَه دخلتَ النارِ"، أي: إذا كانَ القاتلُ صادِقًا في قولِه بأنَّ القَتلَ وقعَ مِنه خطأً، ثمَّ قَتلتَه أيُّها الوليُّ بدَمِ المقتولِ؛ دخلتَ النارِ؛ وذلكَ لأنَّ القِصاصَ إنَّما يكونُ في العَمدِ الظاهرِ ولكنْ في الخطأِ يَنبغي لوليِّ المقتولِ ألَّا يقتلَه؛ خوفًا منْ لُحوقِ الإثمِ به، عَلَى تقديرِ صِدقِ دَعوى القاتلِ.
قالَ أبو هُريرةَ: "فخَلَّى سَبيلَه"، أي: فعَفا عَنه الوليُّ، قال: "وكانَ مَكتوفًا بِنِسعةٍ"، أي: وكانَ القاتلُ مَربوطًا ومُوثقًا بالنِّسعِ وهو حَبلٌ يُنسَج مضْفورًا، ويُجعلُ زِمامًا ولِجامًا للدَّوابِّ مثلَ البَعيرِ وغيرِه، وتُشَدُّ به الرِّحالُ والأَحمالُ "فخَرجَ يجرُّ نِسْعتَه"، أي: انصرفَ القاتلُ بعدَ ما فكَّ وِثاقَه فخرجَ وهوَ يجرُّه؛ "فسمَّي"، أي: أطلقَ على القاتلِ: ذا النِّسعةِ.
وفي الحديث: التحذيرُ والترهيبُ من إقامةِ القِصاصِ على مَن قَتَل غيرَه خطأً.