باب من أمن رجلا على دمه فقتله
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير
عن رفاعة بن شداد الفتياني، قال: لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعي، لمشيت فيما بين رأس المختار وجسده، سمعته يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أمن رجلا على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة" (1).
لقد تمَّم الإسلامُ مَكارِمَ الأخلاقِ وحثَّ عليها، وحَذَّر مِن سيِّئِها ونَفَّر مِنها، وبَيَّن سُوءَ عاقِبَتِها، والغَدْرُ مِن أقبَحِ الخِصالِ؛ ولذلك نَهى الشَّرعُ عنه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ رِفاعَةُ بنُ شَدَّادٍ الفِتْيانيُّ: "لَولا كَلِمةٌ سَمِعتُها مِن عَمرِو بنِ الحَمِقِ الخُزاعيِّ، لَمَشيتُ فيما بينَ رأسِ المختارِ وجسَدِه"، أي: قَطعتُ رأسَه عَن جسَدِه ومشَيتُ بينَهما، يُشيرُ إلى قَتلِه، وأنَّ ما يَمنَعُه حديثٌ سَمِعَه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ويَرجِعُ هذا إلى ما أظهَرَه المختارُ بمَجلِسِ رِفاعةَ كما جاء في روايةٍ أُخْرى، حيثُ قال: "لولا أنَّ أخي جِبْريلَ قام عَن هذه لألقَيتُها لك"، وهو ادِّعاءٌ بأنَّ الوحيَ يأتيه، "سَمِعتُه يَقولُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن أمَّن رَجُلًا على دَمِه"، أي: أعطاه الأمانَ والعَهْدَ على حِفْظِ دمِه، "فقَتَله"، أي: قتَله خِيانةً وغَدْرًا، "فإنَّه يَحمِلُ لِواءَ غَدْرٍ يومَ القيامةِ"، وفي روايةٍ: "يُقالُ: هذه غَدْرةُ فُلانٍ"، واللِّواءُ عَلامةٌ يَشتهِرُ بها في النَّاسِ؛ لأنَّ موضوعَ اللِّواءِ الشُّهرةُ، وكانَت العرَبُ تَنصِبُ الألْوِيَةَ في الأسواقِ الحافلةِ لِغَدْرةِ الغادِرِ؛ للتَّشهيرِ به على غَدْرتِه، وهذا مِن الفضيحةِ على رُؤوسِ الأشهادِ، وهذه مُبالَغةٌ في العقوبةِ وشِدَّةِ الشُّهرةِ والفَضيحةِ.
والغَدرُ جعَله النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن صِفاتِ المنافِقين وأنَّه إذا عاهَد غدَر، ونقَض العهْدَ وترَكَ الوفاءَ بِما عاهَد عليه؛ فإذا أعطى عَهدًا على أيِّ شيءٍ مِن الأشياءِ غدَر به، ونَقَض العهدَ، وهذا يَشمَلُ المعاهَدةَ معَ المسلِمِ، والمعاهَدةَ معَ الكفَّارِ كذلك.