باب الغناء والدف 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الحسين - اسمه المدني - قال:
كنا بالمدينة يوم عاشوراء، والجواري يضربن بالدف ويتغنين، فدخلنا على الربيع بنت معوذ، فذكرنا ذلك لها فقالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عرسي، وعندي جاريتان يتغنيان وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر، وتقولان فيما تقولان:
وفينا نبي يعلم ما في غد
فقال: "أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله" (2).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقرِّرُ إعْلانَ النِّكاحِ بالدُّفِّ وغَيرِه مِن الأُمورِ المُباحةِ، وكان يَحضُرُ بعضَ هذه المُناسَباتِ، فيُعلِّمُ النَّاسَ ما يَجوزُ، وما لا يَجوزُ مِن الأقْوالِ والأفْعالِ.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ الرُّبَيِّعُ بِنتُ مُعوِّذِ بنِ عَفْراءَ الأنْصاريَّةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخَل عليها في بيتِها لَيلةَ عُرسِها وزِفافِها على زَوْجِها، وهو الصَّحابيُّ إياسُ بنُ البُكَيرِ اللَّيْثيُّ رَضيَ اللهُ عنه، قالت: فجلَسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على فِراشي كمَجلِسِكَ منِّي. تُخاطِبُ بهذا الكَلامِ مَن يَرْوي الحَديثَ عنها، وهو التَّابِعيُّ خالِدُ بنُ ذَكْوانَ، ويدُلُّ ذلك على البُعدِ؛ لأنَّ خالِدَ بنَ ذَكْوانَ ليس مَحرَمًا لها؛ فلا بُدَّ أنْ يَكونَ مَجلِسُه منها بَعيدًا.
وأخبَرَتْ أنَّ بعضَ الفَتَياتِ حَديثاتِ السِّنِّ بدَأْنَ يَضرِبْنَ بالدُّفِّ ويَندُبْنَ -أي: يَذكُرْنَ أوْصافَ- مَن قُتِلَ مِن آبائِهنَّ يَومَ بَدرٍ بالثَّناءِ عليهم، وتَعْديدِ مَحاسِنِهم بالكَرَمِ والشَّجاعةِ، وهو ممَّا يُهيِّجُ الشَّوقَ إليهم، والبُكاءَ عليهم، حتَّى قالتْ جاريةٌ منهُنَّ مادِحةً النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وفينا نَبيٌّ يَعلمُ ما في غَدٍ»، فأوْقَفَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ونَهاها عن هذه المَقالةِ؛ فإنَّ مَفاتيحَ الغَيبِ عندَ اللهِ، لا يَعلَمُها إلَّا هو، وأمَرَها أنْ تَعودَ لمَا كانتْ تَقولُه مِن ذِكرِ مَحاسنِ المَقْتولينَ في بَدرٍ وغيرِ ذلك.
وفي الحَديثِ: إعْلانُ النِّكاحِ بالدُّفِّ والغِناءِ المُباحِ؛ ليَكونَ ذلك فَرقًا بيْنه وبيْن السِّفاحِ الَّذى يُستَسَرُّ به.
وفيه: إقْبالُ العالِمِ والإمامِ إلى العُرسِ، وإنْ كان فيه لعِبٌ ولهوٌ، ما لم يَخرُجِ اللَّهوُ عنِ المُباحاتِ.