باب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم17
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس، فقال: «ألا أخبركم بخيركم من شركم؟» قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله، أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال: «خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره»: هذا حديث حسن صحيح
كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحسنَ الناسِ تَعليمًا وتأديبًا، وكان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَغتنمُ أيَّ فُرصةٍ ليعلِّمَ أصحابَه ويُؤدِّبَهم، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وقَف على أُناسٍ جلوسٍ"، أي: جالِسين، فقال لهم: "ألَا أُخبِرُكم"، أي: ألَا أُعلِّمُكم وأُنبِّئُكم "بخَيرِكم مِن شَرِّكم"، أي: أذكُرُ لكم ما الَّذي يَفرُقُ ويُميِّزُ خَيرَكم لنَفسِه ولغيرِه مِنْ شرِّكم لنَفسِه ويتعدَّى شرُّه إلى غيرِه؟ قال: "فسكَتوا"، أي: لم يتَكلَّموا ولم يُجيبوا بشيءٍ، ولعَلَّهم سَكَتوا لأنَّهم كانوا مُتوقِّفينَ؛ هل السُّؤَالُ أَوْلَى أو السُّكُوتُ أحرَى؛ خوفًا مِن أنْ يَكونَ مِن بابِ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، وعملًا بقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: "وسكَتَ عن أشياءَ رحمةً لكم مِن غيرِ نسيان؛ فلا تَبْحَثوا عنها"، أو لأنَّهم لَمَّا توَهَّمُوا معنَى التَّمييزِ من بخيرِهم وشرِّهم تَخَوَّفوا مِنَ الفَضيحةِ فسَكَتُوا، "فقال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ"، أي: أعاد عليهم السُّؤالَ ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا أفادَ التَّكرارُ أنَّه لا بدَّ من الاختيارِ أجابَ بعضُهم "فقال رجلٌ" مِن الجالِسين: بَلى يا رسولَ اللهِ، أخبِرْنا بخَيرِنا مِن شرِّنا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "خيرُكم مَن يُرْجى"، أي: يُنتَظَرُ ويُؤمَّلُ "خَيرُه"، أي: إحسانُه وبِرُّه، "ويُؤْمَنُ شرُّه"، أي: فلا يُخافُ مِن بَغْيِه وإساءَتِه وظُلمِه، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وشَرُّكم مَن لا يُرْجَى"، أي: لا يُنتَظَرُ ولا يُطمَعُ في "خيرِه"، أي: إحسانِه وبِرِّه، "ولا يُؤمَنُ شرُّه"، أي: ويُخافُ مِن بَغْيِه وإساءتِه وظُلمِه. وقيل: هَذا الحديثُ يُشيرُ إلى أنَّ عدْلَ الإنسانِ مع أكْفَائه واجبٌ، وذلك يكُونُ بثلاثةِ أشياءَ: ترْكِ الاستطالةِ، ومُجانَبةِ الإذلال، وكَفِّ الأذى؛ لأنَّ ترْكَ الاستطالةِ آلَفُ، ومجانبةَ الإذلالِ أعطَفُ، وكَفَّ الأذى أنْصَفُ، وهذه أمورٌ إنْ لم تُخلَصْ في الأكْفاءِ أسرعَ فيهم تقاطُعُ الأعداءِ، ففَسَدوا وأَفْسَدوا.
وفي الحديثِ: الحثُّ على حُسنِ الأخلاقِ، وحُسنِ التَّعامُلِ بينَ النَّاسِ.
وفيه: التحذيرُ مِن البغيِ والشَّرِّ والعُدوانِ.