‌‌باب ما جاء في حسن الخلق2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في حسن الخلق2

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا قبيصة بن الليث الكوفي، عن مطرف، عن عطاء، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة»: هذا حديث غريب من هذا الوجه
‌‌_________‌‌

لحُسنِ الخُلقِ أجرٌ كبيرٌ، وهو يرفَعُ صاحِبَه إلى أعلى الدَّرَجاتِ والمنازِلِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وقد بعَث اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هاديًا ومُبشِّرًا ونَذيرًا، ولِيُتمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما مِن شيءٍ"، أي: لا يُوجَدُ شَيءٌ مِن أفعالِ البِرِّ والإحسانِ، "يُوضَعُ" بصِيغةِ المفعولِ، أي: يضَعُه اللهُ تَعالى أو يَأمُرُ الملائكةَ بوَضعِه، "في الميزانِ" وهو ميزانُ الأعمالِ يومَ القيامةِ، وهو ميزانٌ حقيقيٌّ له كِفَّتانِ حِسيَّتانِ، "أثقَلُ" في كِفَّةِ الحسَناتِ، "مِن حُسْنِ الخُلقِ"، أي: مِن ثَوابِ الأخلاقِ الحسَنةِ؛ لأنَّها سببُ كلِّ خيرٍ، وتؤدِّي إلى المعامَلاتِ والأفعالِ الحَسَنةِ معَ الغيرِ مِن الأقاربِ والأجانبِ، والأخلاقُ هي أوصافُ الإنسانِ الَّتي يُعامِلُ بها غيرَه، "وإنَّ صاحِبَ حُسنِ الخلقِ لَيَبلُغُ به"، أي: يَصِلُ بحُسنِ خُلقِه "درَجةَ"، أي: مَنزِلةَ "صاحِبِ الصَّومِ والصَّلاةِ"، أي: المُكثِرِ مِن صيامِ النَّفْلِ وصلاةِ التَّطوُّعِ؛ وذلك لأنَّ صاحِبَ الخلقِ الحسَنِ لا يَحمِلُ غيرُه أثقالَه، ويتَحمَّلُ هو أثقالَ غيرِه وخُلقَهم.
هذا وقد اختُلِفَ في كيفيَّةِ وَزنِ الأعمالِ ووَضعِها في الميزانِ؛ وأقربُ الأقوال: أنَّ الأعمالَ تُجسَّدُ ثمَّ تُوزَنُ، وقيل: إنَّ الأعمالَ بنَفسِها وقِيمتِها هي الَّتي تُوزَنُ، وقيل: إنَّما تُوزَنُ الصُّحفُ المدوَّنةُ فيها الأعمالُ، وقيل: إنَّ الذي يُوزَنُ هو العاملُ نفْسُه بمقدارِ إيمانِه وعَملِه، لا بضَخامةِ جِسمِه، وقيل: إنَّ كُلًّا مِن العامِلِ وعَمَلِه وصَحيفةِ عَملِه يُوزَنُ؛ جمعًا بين الأحاديثِ في ذلك، كما في حَديثِ البِطاقةِ، وكيفيَّةُ وزْنِ الأعمالِ تكونُ كيفَ شاءَ اللهُ سبحانَه وتعالَى.
وفي الحديثِ: الحثُّ على حُسنِ الخُلقِ.
وفيه: إثباتُ الميزانِ يومَ القيامةِ.