باب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم18
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم؟ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم»: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد، ومحمد يضعف من قبل حفظه
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحرِصُ على تَوضيحِ أُمورِ الدِّينِ والدُّنيا للمسلِمين، وقدْ أمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النَّاسَ أنْ يَلْزَمُوا السَّمْعَ والطَّاعةَ لولاةِ أُمورِهم؛ لِمَا في الخُروجِ عليهم مِنَ المَفاسِدِ الكَبيرةِ، وحَذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن شَقِّ عَصا الطَّاعةِ ومُفارَقةِ الجَماعةِ، أو إلحاقِ الضَّررِ بالمسْلِمين.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ خِيارَ أئِمَّةِ المسلِمين ووُلاةِ الأُمورِ -سَواءٌ كان الإمامَ الكبيرَ في البلدِ، وهو السُّلطانُ الأعلَى، أو كان مَن دُونَه- هم الَّذِينَ عَدَلوا في الحُكم، فتَنعَقِد بيْنهم وبيْن المحْكُومين مَودَّةٌ ومَحبَّةٌ، «وتُصلُّون عليهم ويُصَلُّون عليكم»، والصَّلاة هنا بمعنى الدُّعاءِ، أي: تَدْعُونَ لهم ويَدْعون لكم، ثمَّ ذكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ شِرارَ الأئمَّةِ والوُلاةِ هُم الَّذين يُبغِضُهم النَّاسُ ويَكرَهونَهم، وهُم أيضًا يُبغِضُون النَّاسَ ويَكرَهونَهم، ويَلْعَنُهم النَّاسُ وهُم أيضًا يَلْعَنونَ النَّاسَ، ويَدْعُو عليهم النَّاسُ، ويَدْعُون على النَّاسِ؛ فالبُغضُ واللَّعنُ مُتبادَلٌ بيْن الحُكَّامِ والمحْكومينَ.
فسَألَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أفَلا نُنابِذُهم عندَ ذلكَ؟» أي: نُفارِقُهم مُخالَفةً وعَداوةً لهم، ونُجاهِرُهم ونَتصدَّى لهم بالسَّيفِ والحرْبِ، فنَهاهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن مُنابَذَتِهم، وهو طَرْحُ عَهْدِهم ومُحارَبَتِهم، «ما أقاموا الصلاةَ»، أي: مُدَّةَ إقامَتِهِمُ الصَّلاةَ؛ لأنَّها عَلامةُ اجتِماعِ الكلمةِ في الأُمَّةِ، ثمَّ كرَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قولَه: «لا، ما أقامُوا الصَّلاةَ» للتَّأكيدِ، ثمَّ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا وَلِيَ أمْرَ المسْلِمين وَالٍ، فرَأى أحدُهم الحاكمَ ووَليَّ الأمرِ يَأتي شيئًا مِن مَعْصِيةِ الله، فَلْيَكْرَهِ الفعلَ الَّذي يَفعَلُه الحاكمُ العاصي، ولْيُنْكِرْه إنِ استَطاع بلِسانِه، فإنْ لم يَستَطِعْ فبِقَلْبِه، «ولا يَنْزِعَنَّ يدًا مِن طاعةٍ» بخَلعِ الحاكمِ والخُروجِ عليه، وهذا حثٌّ على إنكارِ المنكَرِ على وُلاةِ الأمورِ، إلَّا أنَّ ذلكَ لا يُبِيحُ نزْعَ الطَّاعةِ الواجبةِ لهم، بلْ يَجِبُ الصَّبرُ عليهم.
وفي الحديثِ: تَعظيمُ شأنِ الصَّلاةِ.
وفيه: النَّهيُ عن الخروجِ على الأُمراءِ ما أقاموا الصلاةَ.
وفيه: الأمرُ بطاعةِ الأُمراءِ ووُلاةِ الأمورِ على كلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ.
وفيه: الأمرُ بِمُلازَمَةِ الجماعةِ.
وفيه: بيانُ خيارِ الحُكَّامِ مِن شِرارِهم.