باب ما جاء في صلاة الخوف1
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا، فقاموا في مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم، فقام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم»: «هذا حديث حسن صحيح»، وقد روى موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، مثل هذا، وفي الباب عن جابر، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن مسعود، وسهل بن أبي حثمة، وأبي عياش الزرقي واسمه زيد بن صامت، وأبي بكرة،: «وقد ذهب مالك بن أنس في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حثمة، وهو قول الشافعي»، وقال أحمد: «قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف على أوجه، وما أعلم في هذا الباب إلا حديثا صحيحا، وأختار حديث سهل بن أبي حثمة» وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم قال: «ثبتت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف، ورأى أن كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف فهو جائز، وهذا على قدر الخوف» قال إسحاق: «ولسنا نختار حديث سهل بن أبي حثمة على غيره من الروايات»
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، وشأْنُها كَبيرٌ عندَ اللهِ؛ ولذلِك فإنَّها لا تَسقُطُ حتَّى في أصعَبِ الظُّروفِ والأوْقاتِ.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لصِفةٍ مِن صِفاتِ صَلاةِ الخَوفِ عندَ مُواجَهةِ العَدوِّ، فيَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قسَّمَ الجَيشَ إلى طائِفتَيْنِ، فصلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإحْدى الطَّائفَتَينِ مِن الجَيشِ، والطَّائفةُ الأُخْرى مُواجِهةُ العَدوِّ؛ حِراسةً للطَّائفةِ الأُولى حتَّى لا يَطمَعَ فيهمُ العَدوُّ وهمْ يُصلُّونَ، ثمَّ انْصَرَفت الطَّائفةُ التي كانت تُصلِّي معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ أنْ صلَّى بهم رَكْعةً دونَ أنْ تُسلِّمَ مِن الصَّلاةِ، فقاموا مَقامَ الطَّائفةِ التي لم تُصَلِّ، وجاءَت الطَّائفةُ الثَّانيةُ، فصَلَّى بهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَكعةً، وهي الرَّكْعةُ الثَّانيةُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والأُولى لهم، ثمَّ سلَّمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الصَّلاةِ، فقامتِ الطَّائفتانِ فصَلَّى كلُّ واحدٍ منهم الرَّكْعةَ الثَّانيةَ، ثمَّ سلَّمَ.
وقد ورَدَ في كَيفيَّةِ صَلاةِ الخَوفِ صِفاتٌ كَثيرةٌ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها، وقد صَلَّاها في أيَّامٍ مُختَلِفةٍ بأشْكالٍ مُتَبايِنةٍ، يَتحَرَّى فيها الأحوَطَ للصَّلاةِ، والأبلَغَ للحِراسةِ؛ فهي على اخْتِلافِ صوَرِها مُتَّفِقةُ المَعنى.
وفي هذا الحَديثِ: أخْذُ الحَيْطةِ والحَذَرِ معَ الأعْداءِ حتَّى في حالِ العِبادةِ والصَّلاةِ.
وفيه: الحِرصُ على أداءِ الصَّلَواتِ حتَّى في أوْقاتِ الحَربِ، وبيانُ أهمِّيَّةِ صَلاةِ الجَماعةِ؛ إذ شُرِعَتْ في حالةِ الخَوفِ؛ فالأَوْلى بالآمِنِ المُطمَئنِّ الحِرصُ عليها.
وفيه: يُسرُ الشَّريعةِ على المُكلَّفينَ في أداءِ الصَّلاةِ.