‌‌باب ما جاء في صلاة الخوف2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في صلاة الخوف2

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة، أنه قال في صلاة الخوف، قال: «يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو، ووجوههم إلى العدو، فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم، ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم، ثم يذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك، فيركع بهم ركعة ويسجد بهم سجدتين، فهي له ثنتان ولهم واحدة، ثم يركعون ركعة ويسجدون سجدتين»:
‌‌

شُرِعَتْ صَلاةُ الخَوفِ تَخْفيفًا على المُجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ، ورَفعًا للحَرَجِ والمَشقَّةِ عنهم، وصَلاةُ الخَوفِ ورَدَ في السُّنَّةِ أكثَرُ مِن هَيْئةٍ في أدائِها، كلُّها صَحيحةٌ، يُتَحرَّى فيها الأحْوَطُ للصَّلاةِ، والأبلَغُ للحِراسةِ؛ فهي على اخْتِلافِ صوَرِها مُتَّفِقةُ المَعنى.
وهذا الحَديثُ يَتضمَّنُ إحْدى هذه الهَيْئاتِ الوارِدةِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاةِ الخَوفِ؛ وهي أنَّ الإمامَ يَستَقبِلُ القِبْلةَ ويُصلِّي معَه طائفةٌ مِن الجُنودِ، وتَقِفُ طائفةٌ أُخْرى في الجِهةِ الأُخْرى مُواجِهةً للعَدُوِّ؛ حتَّى لا يُغِيروا على المُصَلِّينَ، فيُصلِّي الإمامُ رَكْعةً لمَن معَه، ثمَّ تَقومُ هذه الطَّائفةُ الَّتي صَلَّتْ معَه ويُصلُّونَ رَكْعةً أُخْرى كامِلةً برُكوعٍ وسَجدَتَينِ في مَوضِعِهم، ثمَّ تَأْتي الطَّائفةُ الأُخْرى، وتُصلِّي الرَّكْعةَ الثَّانيةَ معَ الإمامِ، فيكونُ الإمامُ قد أتمَّ رَكعَتَينِ، ثمَّ تَقومُ هذه الطَّائفةُ، فتُصلِّي رَكْعةً ثانيةً كامِلةً برُكوعٍ وسَجدَتَينِ.
ولم يُذكَرْ في هذِه الرِّاويةِ سَلامُ الطَّائفةِ الأُولى إذا أتمَّتْ صَلاتَها، ولا سَلامُ الرَّسولِ بالطَّائفةِ الثَّانيةِ قبْلَ أنْ تُتِمَّ لأنفُسِها، وذُكِرَ ذلك في رِواياتٍ أُخْرى في البُخاريِّ ومُسلِمٍ وعندَ أصْحابِ السُّنَنِ، على خِلافٍ في وَقتِ السَّلامِ؛ فرُويَ أنَّه يَركَعُ بالطَّائفةِ الثَّانيةِ ويَسجُدُ بهم ويُسلِّمُ، فيَقومونَ فيَرْكَعونَ لأنفُسِهمُ الرَّكعةَ الباقيةَ، ثمَّ يُسلِّمونَ، ورُويَ غيرُ ذلك.
وقدْ صلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذه الصِّفةِ في غَزْوةِ بَني أنْمارٍ، وهو اسمٌ لقَبيلةٍ عَربيَّةٍ، وكانت هذه الغَزْوةُ في رَبيعٍ الأوَّلِ سَنةَ ثَلاثٍ مِن الهِجْرةِ، وهي غَزْوةُ غَطَفانَ، وتُعرَفُ بذي أَمَرَّ، وسبَبُها أنَّ جَمعًا مِن بَني ثَعْلَبةَ ومُحاربٍ تَجمَّعوا يُريدونَ أنْ يُصيبوا مِن أطْرافِ المَدينةِ، فخرَجَ إليهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا سَمِعوا بذلك هَرَبوا في رُؤوسِ الجِبالِ خَوفًا؛ فكان النَّصرُ بالرُّعبِ، فرجَعَ ولم يَلْقَ حَربًا.
وفي الحَديثِ: أخْذُ الحَيْطةِ والحَذَرِ معَ الأعْداءِ حتَّى في حالِ العِبادةِ والصَّلاةِ.
وفيه: الحِرصُ على أداءِ الصَّلَواتِ حتَّى في أوْقاتِ الحَربِ، وبَيانُ أهمِّيَّةِ صَلاةِ الجَماعةِ؛ إذ شُرِعَتْ في حالةِ الخَوفِ؛ فالأَوْلى بالآمِنِ المُطمَئنِّ الحِرصُ عليها.
وفيه: يُسرُ الشَّريعةِ على المُكلَّفينَ في أداءِ الصَّلاةِ.