‌‌باب: كيف القراءة في الكسوف

سنن الترمذى

‌‌باب: كيف القراءة في الكسوف

حدثنا أبو بكر محمد بن أبان قال: حدثنا إبراهيم بن صدقة، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها»: «هذا حديث حسن صحيح»، وروى أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان بن حسين، نحوه «وبهذا الحديث، يقول مالك، وأحمد، وإسحاق»
‌‌_________

الشَّمسُ والقَمرُ آيتانِ عَظيمتانِ مِن آياتِ اللهِ سُبحانه الدَّالَّةِ على عَظَمتِه، ويَخضعانِ لقُدرتِه وسُلطانِه، وفي كُسوفِهما وخُسوفِهما آياتٌ وعِبرٌ على القُدرةِ الإلهيَّةِ المُطلقةِ، وقد عَلَّمَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ نَلجَأَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ والتَّضرُّعِ عندَ وُقوعِ هذه الظاهرةِ حتَّى تَنجلِيَ وتَنكشِفَ.
وفي هذا الحديثِ تَحكي أمُّ المُؤمنِينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جهَرَ بقِراءتِه في صَلاةِ الخسوفِ، فأسْمَعَ مَن خَلْفَه قِراءتَه، قيل: إنَّ هذه الصَّلاةَ صَلاةُ خُسوفِ القمرِ؛ لأنَّه يكونُ باللَّيلِ، فيَجهَرُ بالقراءةِ، وقيل: بلْ هو خُسوفُ الشَّمسِ، فيكونُ بمعنى الكُسوفِ، والكُسوفُ والخُسوفُ بمعنًى واحدٍ، وهو ذَهابُ ضَوءِ الشَّمسِ والقمَرِ، وكَثيرًا ما يُعبَّرُ عن الشَّمسِ بالكسوفِ، وعن القمَرِ بالخُسوفِ، ويُعبَّرُ بأحدِهما عن الآخَرِ، وصَلاةُ الكُسوفِ والخُسوفِ للشَّمسِ أو للقمَرِ يَجهَرُ فيها الإمامُ بالقراءةِ. ثمَّ أخبَرَت عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا انْتَهى مِن القِراءةِ كبَّر عندَ الرُّكوعِ، وقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، عندَ الرَّفعِ منه، ويقول: ربَّنا ولك الحمدُ، كما يَفعَلُ في الصَّلواتِ الأخرى، ثمَّ لا يَسجُدُ بلْ يُعاوِدُ القراءةَ أثناءَ اعتدالِه قائمًا بعْدَ الرَّفعِ مِن الرُّكوعِ الأوَّلِ، ثمَّ يَركَعُ رُكوعًا ثانيًا في الرَّكعةِ نفْسِها، ثمَّ يَرفَعُ مِن الرُّكوعِ ويَعتدِلُ قائمًا، ثمَّ يَسجُدُ سَجدتينِ، ثمَّ يَرفَعُ مِن السُّجودِ ويَعتدِلُ قائمًا، ويُصلِّي رَكعةً ثانيةً على الصِّفةِ نفْسِها، ففي صَلاةِ الكسوفِ يُصلِّي أربَعَ رُكوعاتٍ في رَكعتينِ، فيَأْتي في كلِّ ركعةٍ برُكوعينِ وسَجدتينِ.

وكان مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاةِ الكُسوفِ الإطالةُ فيها كثيرًا، وقدْ صرَّحَت رِوايةُ البُخاريِّ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَرَأَ في القِيامِ الأوَّلِ مِن الرَّكعةِ الأُولى نحْوَ سُورةِ البقرةِ، ويُطيلُ في باقي الصَّلاةِ، وكلَّما انْتقَلَ إلى فِعلٍ كان أقلَّ في الطُّولِ مِن الذي قبْلَه، إلى أنْ يَنتهِيَ مِن صَلاتِه وقد ظَهَرَت الشَّمسُ.
وفي الحديثِ: بَيانُ صِفةِ صَلاةِ الكُسوفِ، ومَشروعيَّةُ الجَهرِ بالقِراءةِ فيها.