باب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم3

سنن الترمذى

باب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم3

حدثنا بندار قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا حميد بن مهران، عن سعد بن أوس، عن زياد بن كسيب العدوي، قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله»: هذا حديث حسن غريب

مِن الوصايا المهمَّةِ الَّتي أوصى بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أُمَّتَه أن يُطاعَ وليُّ الأمرِ ما لم يَأمُرْ بمعصيةٍ؛ لِمَا في ذلك من مَصالِحَ كثيرةٍ للأمَّة، ودفْعِ مَفاسِدَ عظيمةٍ عنها.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن أهان"، أي: أذَلَّه بأن آذاه أو عَصاه في المعروفِ، وقيل: نظَر إليه بعينِ الإهانةِ، "سُلطانَ اللهِ في الأرضِ"، والمرادُ به الحاكِمُ، وإضافتُه إلى اللهِ إضافةُ تَشريفٍ كبَيتِ اللهِ، وناقةِ اللهِ، والمرادُ به سُلطانُ الحقِّ الواجبُ الطَّاعةِ، وإهانتُه الإعراضُ عمَّا يجِبُ مِن امتثالِ أوامرِه واجتنابِ مُخالفتِه، والخروجُ عليه وشّقُ عصا المسلِمين، والمعنى: أنَّ مَن أهان وانتَقَص مِن قَدْرِ مَن أعَزَّه اللهُ بالسَّلطَنةِ، بغيرِ وجهِ حقٍّ، "أهانه اللهُ"، أي: عُوقِبَ بما فعَل معَه، فقوبِلَت الإهانةُ بالإهانةِ، وفي إهانةِ الحاكِمِ بغيرِ وَجهِ حقٍّ انتقاصٌ مِن هيبتِه بما يُضِرُّ بالأمَّةِ، وفيه تفريقٌ لكلمةِ المسلِمين المتَّفِقةِ على الحاكمِ، وفيه فتحٌ لبابِ شرٍّ عظيمٍ عُلِم بالواقعِ أنَّه يكونُ فيه فتنةٌ وقتالٌ وإضعافٌ للأمَّةِ، وكلُّ ذلك فيه مُخالَفةٌ لأوامِرِ اللهِ ورسولِه. وقيل: المرادُ بالسُّلطانِ الدَّليلُ والبُرهانُ، وسُلطانُ اللهِ في الأرضِ هو القُرآنُ؛ فمَن أهانه ولم يَعمَلْ به ولم يَقُمْ بما أمَر به، ويَنتهِ عمَّا نَهى عنه- أهانَه اللهُ بكلِّ نوعٍ مِن الإهانة.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على تَعظيمِ أوامِرِ اللهِ الَّتي جعَل اللهُ لها سُلطانًا بما فيها من أمرٍ أو نهيٍ، أو تحليلٍ أو تحريمٍ.