باب القصص1

سنن ابن ماجه

باب القصص1

حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الهقل بن زياد، حدثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراء" (1).
‌‌_________

لقد نظَّم الشَّرعُ أمورَ الدِّينِ والدُّنيا؛ فجعَل للإمامِ مَهامَّ، وللرَّعيَّةِ تكاليفَ، ووضَع ضوابِطَ للوعظِ والإرشادِ، ومُواصَفاتٍ للدَّاعيةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عوفُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "لا يَقُصُّ على النَّاسِ"، أي: لا يُحدِّثُهم ويَعِظُهم ويَخطُبُهم، وهو نفيٌ وإخبارٌ أنَّ هذا الفِعلَ ليس صادرًا إلَّا من هؤلاءِ الذين سيأتي ذِكرُهم، "إلَّا أميرٌ" لهم، كما كان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هو الخطيبَ والواعِظَ والأميرَ، "أو مأمورٌ"، أي: مأمورٌ ومكلَّفٌ مِن الأميرِ والحاكمِ، فالخُطبةُ قيل: إنَّها مِن وظيفةِ الإمامِ؛ فإنْ شاء خطَب بنَفسِه وإن شاء نصَّب نائبًا يَخطُبُ عنه، "أو مِراءٌ"، وفي روايةٍ: "أو مُختالٌ"، وهو مَن عَدَا الأميرِ والمأمورِ؛ لأنَّه متكلِّفٌ لِما لا يُكلَّفُ به فهو طالِبُ رئاسةٍ، ومَن نصَّب نفسَه قد يكونُ ضرَرُه أكثرَ؛ إذ قد يَفعَلُ ذلك رِياءً، وهذا مِن توضيحِ الاختِصاصاتِ وعدَمِ الجَوْرِ على حُقوقِ الإمامِ؛ لأنَّه أعلَمُ بأمورِ الرَّعيَّةِ، ويُكلَّفُ مَن هو أهلٌ للوَعظِ والإرشادِ، أمَّا إن كان الأميرُ جاهِلًا مُحتاجًا إلى مَن يُعلِّمُه، ولم يَأمُر بذلك ولم يُكلِّفْ به، فيَسوغُ الاحتسابُ للعالمِ في دَعوةِ النَّاسِ إلى اللهِ، بل يَجِبُ عليه وإلَّا تَعطَّلَتِ الأحكامُ، وانْسدَّ بابُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ وتعليمِ العامَّةِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن تكلُّفِ الوعظِ والقَصِّ لغيرِ المؤهَّلِين.
وفيه: أنَّ أمرَ الوعظِ والإرشادِ والخَطابةِ إلى الأميرِ والإمامِ، إلَّا إذا جَهِلَ أو فَرَّط