باب المدينة تنفي خبثها 2
بطاقات دعوية
عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن الله تعالى سمى المدينة طابة. (م 4/ 121
المدينةُ النَّبويَّةُ بُقعةٌ مِن الأرضِ مُبارَكةٌ، طَهَّرَها اللهُ مِن الأدناسِ، واختارَها لتَكونَ مُهاجَرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وحاضنةَ دَعوتِه، وأساسَ دَولتِه.
وفي هَذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ مِن الأسماءِ الَّتي سَمَّى اللهُ تَعالى بها المَدينةَ: «طابةَ»، والمعنى أنَّ اللهَ تعالَى سمَّاها في اللَّوحِ المحفوظِ، أو أمَرَ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ يُسمِّيَها بها؛ ردًّا على المنافقينَ في تَسميتِها يَثرِبَ. واشتقاقُها مِن الطِّيبِ، وهو الرَّائِحةُ الحَسَنةُ، أو مِن الشَّيءِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ؛ لخُلوصِها مِن الشِّركِ وتَطهيرِها منه، وقيل: لطِيبِها لساكنِها، وقيل: مِن طِيبِ العَيشِ بها، وقيل: لطِيبِ تُرابِها وهَوائِها؛ فإنَّ مَن أقامَ بها يَجِدُ مِن تُربتِها وحِيطانِها رائحةً طيِّبةً لا تَكادُ تُوجَدُ في غَيرِها.
وكانت المدينةُ تُسمَّى يَثرِبَ قبْلَ هِجرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إليها؛ ففي الصَّحيحينِ عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أُمِرتُ بقَريةٍ تَأكلُ القُرى، يَقولون: يَثرِبُ، وهي المدينةُ»، وكأنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كرِهَ هذا الاسمَ، وكَراهةُ اسمِ يَثْرِبَ؛ لأنَّه مِن التَّثريبِ، وهو المُؤاخَذةُ والعقابُ، أو مِن الثَّرْبِ، وهو الفسادُ، ولأنَّه الاسمُ الَّذي كان في الجاهليَّةِ، وكان مِن عادتِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تَغييرُ الاسمِ القَبيحِ، وقدْ سمَّاها اللهُ تعالَى المدينةَ في مَواضعَ مِن القرآنِ، وكثرةُ الأسماءِ تدُلُّ على عِظَمِ المُسمَّى.
وقد حُمِلَ ما وردَ في القرآنِ مِن تَسميتِها بـ(يَثْرِب) في قولِ اللهِ تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13]، على أنَّه حِكايةٌ عن قولِ المنافقين والَّذين في قُلوبِهم مَرَضٌ.