باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -
بطاقات دعوية
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى حيثُ المسجدُ الصغيرُ الذي دُونَ المسجدِ الذي بشرَف الرَّوحاءِ وقد كانَ عبدُ الله يَعلَمُ المكانَ الذي كانَ يصَلي فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، يقولُ: ثَم عن يمينِكَ حينَ تقومُ في المسجد تصلي، وذلك المسجد على حافَّة الطريق اليمنى، وأنت ذاهب إلى مكة، بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجرٍ، أو نحو ذلك.
كان الصَّحابةُ يَتتبَّعونَ هَدْيَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ أحوالِه، وقد كان عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما مِن أشدِّهم اتباعًا، حتى كان يَجتهِدُ في تَحرِّي الأماكنِ التي صلَّى فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أسفارِه، فيُصلِّي فيها تَبرُّكًا وحُبًّا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما بَعضَ الأماكن التي صَلَّى فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أثناءَ سَفرِه مِن المدينةِ إلى مكَّةَ، وأنَّه صلَّى بجانبِ المسجِدِ الصَّغيرِ الموجودِ بالقرْبِ مِن المسجدِ الكبيرِ الذي بأعْلى مَنطقةِ الرَّوْحاءِ، وهي قَريةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ ما يُقارِبُ (80 كم).وهذا الحديثُ يدُلُّ على أنَّ بالرَّوْحاءِ مَسجدينِ؛ أحدُهما مَسجدٌ كبيرٌ، والآخَرُ صغيرٌ؛ فالكبيرُ بأعلى الرَّوْحاءِ، ولم يُصَلِّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَه، إنَّما صَلَّى في المسجدِ الصَّغيرِ عن يَمينِ ذلك المسجدِ. وكان ابنُ عمَرَ يَعرِفُ مَكانَ صَلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويُعلِّمُه بأنَّه في جِهةِ يَمينِ الداخلِ مِن المسجدِ، وهذا المسجدُ الصَّغيرُ مَوجودٌ على حافَةِ الطَّريقِ اليُمنى، وأنَّ بيْن المسجدينِ قَدْرَ رَميَةِ حَجَرٍ، وهي مَسافةٌ ليست كَبيرةً. وقد كان ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه مَشهورًا بتتبُّعِ آثارِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومِن ذلك صَلاتُه في المواضِعِ التي كان يُصَلِّي فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وهذا يُحْمَل عنِ ابنِ عُمَرَ لِمَا عُرِفَ عنه مِن تَشَدُّدِه في الاتِّباعِ، وقد ورَدَ عن أبيه عُمَرَ بنِ الخطَّاب رَضيَ اللهُ عنه ما يُخالِفُ هذا الأمرَ؛ فإنَّه لَمَّا رأى النَّاسَ في سَفَرٍ مِن مكَّةَ إلى المَدينةِ يَتبادَرونَ إلى مكانٍ، سَأَلَ عن ذلك، فقالوا: هذا مَكانٌ قد صلَّى فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال لهم: «هكذَا هَلَكَ أهْلُ الكتابِ؛ اتَّخَذُوا آثارَ أنبِيائهِم بِيَعًا، مَن عَرَضَتْ له منكم فيه الصَّلاةُ فلْيُصَلِّ، ومَن لمْ تَعْرِضْ له منكم فيه الصَّلاةُ، فلا يُصَلِّ»، رواهُ عبدُ الرَّزَّاقِ وابنُ أبي شَيبةَ في مُصنَّفَيْهما.وإنَّما أراد عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بالنَّهْيِ عن تَتبُّعِ آثارِ الأنبياءِ سَدَّ الذريعةِ إلى الشِّرْكِ، وهو أعلَمُ بهذا الشَّأنِ مِن ابنِه رَضيَ اللهُ عنهما، أمَّا الأماكنُ التي نُصَّ على فضْلِ الصَّلاةِ فيها، كالحَرَمينِ والأقْصى وقُباءٍ ونحْوِها، وكذلك قصْدُ المساجدِ عامَّةً بالصَّلاةِ، حتَّى التي وَرَدَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى فيها؛ فلا تَدخُلُ تحْتَ هذا النَّهيِ.وقدْ روَى البُخاريُّ عن عَبدِ اللهِ بنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما تِسعةَ أحاديثَ تُحدِّدُ الأماكِنَ التي صلَّى فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أسفارِه في الطَّريقِ بيْن المدينةِ ومَكَّةَ، منها هذا الحديثُ، وقيل: إنَّ هذه المساجِدَ لا يُعرَفُ اليومَ منها غيرُ مَسجدِ ذي الحُليفةِ، والمساجِدِ التي بالرَّوحاءِ.