باب المسح على الخفين 2
بطاقات دعوية
عن أبي وائل قال كان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة ويقول إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض فقال حذيفة لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى فأتى سباطة قوم (2) خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه فأشار إلي فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ. زاد في رواية: فتوضأ فمسح على خفيه. (م 1/ 157
يَنيغي على المسلِمِ أنْ يَتوسَّطَ في أمورِهِ كلِّها، ولَا يتَشدَّدَ؛ لأنَّ الدِّينَ يُسرٌ، ما دام المَرْءُ مُتحرِّزًا منَ الوُقوعِ في المَحظُورِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ أبُو وائِلٍ شَقِيقُ بنُ سَلَمةَ: "كانَ أبو مُوسى يُشدِّدُ في البَّولِ"، أي: كان الصحابيُّ الجليلُ أبو موسى الأَشعريُّ رضِي اللهُ عنه يُبالِغُ في التَّحرُّزِ من البَولِ واتِّقاءِ ما قد يُصيبُه منَ الرَّذاذِ؛ ولذلك كان "يَبولُ في قارُورَةٍ"، أي: في زُجاجَةٍ؛ وذلك خَوْفًا من أنْ يُصيبَه شيءٌ منَ البَولِ، ويَقولُ، أي: أبو مُوسى الأَشعَريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كان إذا أصابَ جِلدَ أحَدِهم بَولٌ"، أي: ثِيابَهم الَّتي كانَتْ مِن جُلُودٍ، "قَرَضهُ بالمَقارِيضِ"، أي: قطَعَ ما أصابَه البَولُ منَ الثَّوبِ، فقالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ رضِيَ اللهُ عنه: "لوَدِدتُ أنَّ صَاحِبَكم" يَقصِدُ أبا موسى، "لَا يُشدِّدُ هذا التَّشْدِيدَ"، أي: إنَّ الأَمْرَ فيهِ تَيسِيرٌ ولَيس كما يُشدِّدُ أبو موسى على نَفْسِهِ؛ "فلَقدْ رَأَيتُني أنا ورسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نتَماشَى"، أي: نَمشي مَعًا، "فأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائطٍ"، أي: انصَرَفَ عنه لِيَبولَ، والسُّباطَةُ: مكانٌ تُلقَى فيه القُمامَةُ والتُّرابُ، والمُرَادُ بالحائِطِ: الجِدارُ الَّذي يكونُ على البُسْتانِ منَ النَّخلِ أوِ الزَّرْعِ، "فقامَ كما يَقومُ أحَدُكم؛ فبَالَ"، أي: بالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائِمًا، "فانتَبَذْتُ منه"، أي: ابتعَدْتُ عنه، "فأشارَ إليَّ فجِئتُ"، أي: أشارَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فاقتَرَبَ منه حُذَيْفَةُ، "فقُمتُ عندَ عَقِبِه حتَّى فرَغَ"، أي: وقَفَ عند قدَمِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى انتهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من بَولِهِ، قيل: إنَّ قِيامَ حُذَيْفَةَ بقُرْبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حالَ بَولِهِ لِسَتْرِهِ عن أعيُنِ النَّاسِ، مع عدَمِ النَّظَرِ، وإنَّما كان يَنظُرُ إلى الجِهَةِ الأُخرَى.
قيلَ: إنَّ بَولَ رسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائمًا؛ إمَّا لاستِعْجالٍ منه أو مرَضٍ أو ما شابَه، أو لأنَّه كان مُتحَرِّزًا منَ الرَّذَاذِ، ولأنَّ هذا المَكانَ مَكانُ قُمامَةٍ ونَجاساتٍ رِخْوَةٍ فخَشِيَ إنْ جلَسَ لِيَبولَ أن يَنالَ ثِيابَه النَّجاسَةُ؛ ولِذلكَ بالَ قائِمًا