باب المصلي يتنخم 3

سنن ابن ماجه

باب المصلي يتنخم 3

حدثنا هناد بن السري، وعبد الله بن عامر بن زرارة، قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل
عن حذيفة أنه رأى شبث بن ربعي بزق بين يديه، فقال: يا شبث، لا تبزق بين يديك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهى عنذلك، وقال: إن الرجل إذا قام يصلي أقبل الله عليه بوجهه، حتى ينقلب أو يحدث حدث سوء" (1).

للمساجِدِ حُرمتُها في الإسلامِ، وقد أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتطهيرِها وتنظيفِها، وحِفْظِها مِن كلِّ ما يُسْتَقْذَرُ، وخَصَّ جِهَةَ القِبلةَ بمزيدِ اهتمامٍ وتبجيلٍ؛ لأنَّها الجِهةُ الَّتي يُقْبِلُ فيها العَبْدُ على اللهِ تعالى، ويُقْبِلُ اللهُ عليه.
وفي هذا الحديثِ: أنَّ حُذيفةَ بنَ اليمانِ رضِيَ اللهُ عنهما: "رأى شَبَثَ بنَ رِبْعِيٍّ" وهو من كِبارِ التابِعينَ، وكان أحدَ الأشرافِ والفُرسانِ، وممَّن خرَج على عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه، وأَنْكَر عليه التَّحكيمَ، ثم تابَ مِن ذلك ورجَعَ، رآه حُذَيفةُ "بزَقَ بين يدَيْه"، أي: تفَلَ، وأخرَجَ بعضَ اللُّعابِ مِن فَمِه، وألْقاه على الأرضِ أمامَه وهو في المسجِدِ، فقال له حذيفةُ بنُ اليمانِ: "يا شَبَثُ، لا تبزُقْ بين يدَيْك"، أي: لا تبصُقْ أمامك؛ "فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَنْهى عن ذلك، وقال: إنَّ الرَّجلَ إذا قام يُصَلِّي أقبَلَ اللهُ عليه بوجْهِه حتَّى يَنقلِبَ أو يُحْدِثَ حَدَثَ سُوءٍ"، أي: يَتوجَّهُ اللهُ سُبحانَه إلى عَبْدِه المُصَلِّي إقبالًا يليقُ بجَلالِ اللهِ وكمالِه، وهذا موقفُ تَعظيمٍ وتبجيلٍ للمَلِكِ القادِرِ الخالِقِ القهَّارِ؛ فلا ينْبَغي إحداثُ شَيءٍ لا يليقُ، مثل التَّفلِ والبصْقِ أمامَه.
وقد ورَدَ كيفيَّةُ البصْقِ في الصَّلاةِ في رِوايةٍ عندَ أبي داودَ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "فلا يتفُلْ عن يمينِه ولا في قِبْلتِه"، أي: تَعظيمًا لِمَا في تلك الجِهَتينِ، "وليبصُقْ عن يَسارِه أو تحت قدَمِه؛ فإنْ عَجِلَ به أمْرٌ"، أي: أعجَلْتُه النُّخامةُ في الخُروجِ ولم يستطِعْ أن يتبيَّنَ حالَ يسارِه أو تحت قدَمِه، "فلْيَقُلْ هكذا"، وقال خالدُ بنُ الحارِثِ راوي الحديثِ: "ووصَفَ لنا ابنُ عجْلانَ ذلك"، أي: وضَّحَ لنا المعنى المشارَ إليه، وهو "أنْ يتفُلَ في ثوبِه"، أي: كأنَّه يُخْرِجُها على طَرَفٍ مِن ثوبِه، "ثمَّ يرُدُّ بعضَه على بعضٍ"، أي: يضُمُّ الثَّوبَ بعضَه على بعضٍ حتَّى لا يُصيبَه منها شيءٌ. وفي الصَّحيحينِ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "البُزاقُ في المسجِدِ خَطيئةٌ، وكفَّارتُها دفْنُها"، وهذا بيانٌ لكيفيَّةِ التَّخلُّصِ مِن النُّخامةِ والبُصاقِ لمَن اضْطُرَّ لذلك في المسجِدِ، وقد يُسْتَعاضُ عن ذلك بالمِنديلِ وما شابَهَه.
وأمَّا وُجودُ اللهِ قِبَلَ وجْهِ المُصَلِّي، فهذا وأمثالُه مِن أحاديثِ الصِّفاتِ ممَّا يجِبُ الإيمانُ به وإثباتُه، كما صَحَّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بلا تأْويلٍ، ولا تشبيهٍ، ولا تَعطيلٍ؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وهو سُبحانَه فوقَ العرْشِ، وهو قِبَلَ وجْهِ المُصَلِّي، واللهُ سُبحانَه عالٍ على خلْقِه، فوقَ جميعِ المخلوقاتِ؛ فهو سُبحانَه مُحيطٌ بالعالَمِ كلِّه، فأينما ولَّى العبْدُ فإنَّ اللهَ مُستقبِلُه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على تَنزيهِ المساجِدِ عن أَثْفَالِ البدَنِ وعن كلِّ ما يُسْتَقْذَرُ.
وفيه: الحثُّ على احتِرامِ جِهةِ القِبْلةِ.