باب المضمضة والاستنشاق من كف واحد 3
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو الحسين العكلي، عن خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه
عن عبد الله بن زيد الأنصاري، قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألنا وضوءا، فأتيته بماء، فمضمض واستنشق من كف واحد (1).
كان الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم يَتعلَّمون سُنَّةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويُعلِّمونَها للتَّابعينَ، حتَّى استَقرَّت أحكامُ الدِّينِ على وَجْهِها الصَّحيحِ مُتعاقِبةً في جِيلٍ بعْدَ جِيلٍ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابعيُّ يَحيى المازنيُّ أنَّه جاء رجُلٌ إلى عبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ الأنْصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، وسَأَلَه: هل تَستَطيعُ أنْ تُرِيَنِي كيفَ كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ؟ فقال: نَعَم، فطَلَب ماءً، فلمَّا أُحضِرَ صَبَّ الماءَ مِن الإناءِ على يَدَيه، فغَسَلَهما قبْلَ البَدءِ في الوُضوءِ، ثمَّ مَضْمَضَ فَمَه بأنْ حرَّكَ الماءَ فيه ثمَّ ألْقاهُ لغَسلِه غَسلًا جيِّدًا ثمَّ ألْقَى الماءَ وأخرجَه من فَمِه، واستَنْشَقَ بأنْ جَذَب الماءَ بِريحِ أنْفِه لإيصالِه إلى أعْلى الأنْفِ والخَياشيمِ، واستَنْثَر بأنْ أخرَجَه؛ ليُنظِّفَ أنْفَه ممَّا به مِن الأذَى، وكانتِ المَضمضةُ والاستنشاقُ مِن كَفٍّ واحِدةٍ، أي: غَرْفةٍ واحِدةٍ، وفَعَلَ ذلك ثَلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ غَسَلَ يَدَيه وذِراعَيْه إلى المِرْفَقَينِ مرَّتينِ مرَّتينِ، فغَسَلَ كلَّ واحدةٍ مرَّتينِ على التَّخفيفِ والجَوازِ.وغَسلُ الذِّراعينِ لا يكونُ إلَّا بعْدَ غَسلِ الوجْهِ، ولكنَّه لم يَذكُرْه هنا، وذَكَرَه في رِوايةٍ أُخرى في البُخاريِّ أنَّه غَسَلَ وَجْهَه ثَلاثَ مرَّاتٍ، قيل: لعلَّه اختَصَرَ الحديثَ هنا؛ لأنَّ أمرَ غَسلِ الوجْهِ واضحٌ في آيةِ الوُضوءِ، ولا يَحتاجُ إلى بَيانٍ، وقيل: لعلَّ أحَدَ الرُّواةِ نَسِيَ ذِكرَ غَسْلِ الوجْهِ، كما أنَّه شكَّ في قولِه: «ثمَّ غسَلَ أو مَضمَضَ». وقيل: قد يُجاب عن عدَمِ ذِكرِ الوجْهِ بأنَّ المفعولَ المحذوفَ هو لَفظُ «الوَجْه»، أي: ثمَّ غسَلَ وَجْهَه، وحُذِفَ لظُهورِه، فحَرْفُ «أو» في قولِه: «أو مَضمَضَ» بمعنى: الواوِ، و«مِن كَفَّةٍ واحدةٍ» يَتعلَّقُ «بمَضمَضَ واستَنشَقَ» فقطْ.ثمَّ مسَح برَأسِه، فأتَى بِيَدَيْه على مُقدَّمِ رَأسِه، ثُمَّ عادَ بهما إلى مُؤخَّرِ رَأسِه إلى أنْ وَصَلَ إلى قَفاهُ، ثُمَّ رَدَّهما إلى مُقَدَّمِ رأْسِه مرَّةً أخرى، مرَّة واحدةً، والمسحُ دونَ الغَسلِ وأقلُّ منه، والمرادُ بالرَّأسِ: مَنابِتُ شَعرِ الرَّأسِ، وغَسَل رِجلَيه إلى الكَعْبَين. ثمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه بعْدَ أنْ فَرَغَ مِن وُضوئِه: هكذا وُضوءُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أي: إنَّ وُضوءَه رَضيَ اللهُ عنه كان مُحاكاةً ومُطابقةً لوُضوءٍ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَعليمًا لمَن حَولَه مِن التَّابعينَ والآخِذينَ لِسُنةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: بَيانُ كَيفيَّةِ وُضوءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطَريقةٍ عمَليَّةٍ.
وفيه: غَسلُ اليَدَينِ قبْلَ إدخالِهِما في الإناءِ في ابتِداءِ الوُضوءِ.