باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم23-2

سنن الترمذى

باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم23-2

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن، يحدث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما رجل راكب بقرة، إذ قالت: لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر» قال أبو سلمة: وما هما في القوم يومئذ حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، بهذا الإسناد نحوه: «هذا حديث حسن صحيح»

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقُصُّ على أصحابِه مِن أخبارِ الأُمَمِ السَّابقةِ وما فيها مِن مُعجِزاتٍ؛ لأخْذِ العِظَةِ والعِبرةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا الصَّادقُ المَصدوقُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن حادِثتينِ خارِقتينِ للعادةِ وَقَعَتا في الأزمانِ الماضيةِ؛ أمَّا الأُولى: فبيْنما كان رجُلٌ راكبًا على بَقَرةٍ، وإذا بالبقرةِ تَتكلَّمُ حَقيقةً، وتقولُ بلُغةِ النَّاسِ ولِسانِ البشَرِ: كيف تَركَبُني مع أنَّ اللهَ لم يَخلُقْني للرُّكوبِ، وإنَّما خَلَقني لحَرْثِ الأرضِ؟! وأمَّا الثَّانيةُ: فقدِ اختَطَف الذِّئبُ شاةً مِن الغنَمِ، فتَبِعها الرَّاعي ليَأخُذَها منه، فقال له الذِّئبُ: إنْ كُنتَ الآنَ قدْ حمَيْتَ هذه الشَّاةَ منِّي، فسَيَأتي اليومُ الَّذي لا تَجِدُ فيه الغنَمُ راعيًا يَحمِيها مِن الذِّئابِ، وذلك قُرْبَ قِيامِ السَّاعةِ، وهو معْنى قولِه: «فقال الذِّئبُ: مَن لها يومَ السَّبُعِ؟» أي: مَن يَحمِيها منِّي في ذلك اليومِ الَّذي تَخلو فيه الأرضُ مِن البشَرِ، ولا يَبْقى فيها سِوى السِّباعِ، حيث تَخرَبُ البلادُ، ويَهلِكُ العِبادُ، ويَفنى البشَرُ، فلا يَبْقى للغَنَمِ راعٍ يَحمِيها مِن السِّباعِ والذِّئابِ.
وهكذا نطَقَتِ البقرةُ وتَكلَّمَ الذِّئبُ بإذنِ اللهِ وقُدرتِه، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَعليقًا على ذلك: «آمَنْتُ به أنا، وأبو بكرٍ، وعمرُ»، أي: فأمَّا أنا وأبو بكرٍ وعمرُ فإنَّا قد صدَّقْنا بهاتينِ الحادثتينِ، وإنْ كانَتا مِن الأشياءِ الغريبةِ الخارقةِ للعادةِ، المُخالِفةِ للنُّظُمِ الكَونيَّةِ؛ لأنَّ الَّذي خلَقَ هذه النُّظمَ قادرٌ على خَرقِها، وإنَّما ذكَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا بَكرٍ وعمرَ مع أنَّهما غيُر حاضرينِ ثِقةً بهما؛ لعِلمِه بصِدقِ إيمانِهما، وقُوَّةِ يَقينِهما، وكَمالِ مَعرفتِهما بعَظيمِ سُلطانِ اللهِ وكَمالِ قُدرتِه.
وفي الحديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ.
وفيه: فَضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي بكرٍ وعمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: أنَّ الدَّوابَّ لا تُستعمَلُ إلَّا فيما جَرَتِ العادةُ باستعمالِها فيه؛ لأنَّ اللهَ قدْ هيَّأ هذه الكائناتِ وسَخَّرها لِما خُلِقَت له، فإذا استُعمِلَتْ في غيرِ ما خُلِقَت له، كان ذلك ظُلمًا لها، وأنَّ البقرَ للحَرْثِ لا للرُّكوبِ.
وفيه: أنَّ مِن الإيمانِ التَّصديقَ بكلِّ ما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُطلَقًا.