باب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم56-6
سنن الترمذى
حدثنا خلاد بن أسلم البغدادي قال: حدثنا النضر بن شميل قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، قالت: حدثني أنس بن مالك، قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول: «ما رأيت مثل هذا حسنا، لم يذكر؟» قال: قلت: «أما إنه كان من أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم». «هذا حديث حسن صحيح غريب»
في هذا الحَديثِ يَرْوي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه بعْدَ أنْ قُتِلَ الحُسَينُ بنُ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنهما، جِيءَ برَأسِه إلى عُبَيدِ اللهِ بنِ زيادٍ -وهو الَّذي سيَّرَ الجَيشَ لقِتالِ الحُسَينِ رَضيَ اللهُ عنه، وهو يومَئذٍ أميرُ الكوفةِ ليَزيدَ بنِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفْيانَ- وكان سبَبُ هذا القِتالِ أنَّ الحُسَينَ رَضيَ اللهُ عنه لمَّا مات مُعاويةُ وبُويِعَ ابنُه يَزيدُ بالخلافةِ، أبَى أنْ يُبايِعَه، وكتَبَ إلى الحُسَينِ رِجالٌ من شِيعةِ أبيه مِن الكوفةِ: هلُمَّ إلينا نُبايعْكَ؛ فأنتَ أحقُّ مِن يَزيدَ، فخرَج الحُسَينُ مِن مكَّةَ إلى العِراقِ، فأخرَجَ إليه عُبَيدُ اللهِ بنُ زيادٍ مِن الكوفةِ جَيشَه، فالْتَقَيا بكَرْبَلاءَ على الفُراتِ، وقُتِلَ الحُسَينُ سَنةَ إحْدى وسِتِّينَ مِن الهِجْرةِ، قيلَ: قَتَلَه شَمِرُ بنُ ذي الجَوْشَنِ الضِّبابيُّ، وقيلَ: سِنانُ بنُ أبي سِنانٍ، واحتَزَّ رَأسَه، وجاء بها إلى ابنِ زيادٍ، فجَعَل رَأْسَه في طَسْتٍ -وهو إناءٌ كَبيرٌ مُستَديرٌ مِن نُحاسٍ أو نَحْوِه يُغسَلُ فيه- وجَعَل يَنكُتُ، أي: يَضرِبُ، وفي رِوايةِ التِّرمِذيِّ: «فجَعَل يَضرِبُ بقَضيبٍ في أنْفِه»؛ اسْتِهتارًا واسْتِهزاءً بما آلَ إليه الحُسَينُ رَضيَ اللهُ عنه مِن القَتلِ والتَّمْثيلِ، ثمَّ وَصَفَه بالحُسنِ ومدَحَه بجَمالِ خِلقَتِه، وفي رِوايةِ التِّرمِذيِّ أنَّه قال: «ما رأيْتُ مِثلَ هذا حُسنًا».
وأخبَرَ أنَسٌ عنِ الحُسَينِ رَضيَ اللهُ عنهما: أنَّه كان أشبَهَ أهلِ البَيتِ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان شَعرُ رَأسِه ولِحيتِه مَخْضوبًا -أي: مُغيِّرًا لَونَه- بالوَسْمةِ، وهو نَبتٌ يُختَضَبُ به يُسوِّدُ الشَّعرَ، قيلَ: إنَّه وَرَقُ النِّيلِ.
وقدِ انتَقَمَ اللهُ سُبحانَه للحُسَينِ مِن قاتِليه؛ فقتَلَ اللهُ ابنَ زيادٍ سَنةَ اثنَتَينِ وستِّينَ، قتَلَه إبْراهيمُ بنُ الأشتَرِ، وكان المُخْتارُ بنُ أبي عُبَيدٍ الثَّقَفيُّ أرسَلَه لقِتالِه، وجِيءَ برَأسِه ورُؤوسِ أصْحابِه بيْنَ يدَيِ المُخْتارِ، فجاءت حيَّةٌ دَقيقةٌ تَخلَّلَتِ الرُّؤوسُ حتَّى دخَلَت في فَمِ ابنِ زيادٍ، وخرَجَت مِن مَنْخِرِه، ودخَلَت مِن مِنْخَرِه وخرَجَت مِن فَمِه، ثمَّ أرسَلَ المُخْتارُ رَأسَه وبَقيَّةَ الرُّؤوسِ لمُحمَّدِ ابنِ الحَنَفيَّةِ، أو إلى عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ.