باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر3
سنن الترمذى
حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا الجريري، ح وحدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا عبد الأعلى، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، فكانوا يرون أنه من وجد قوة فصام فحسن، ومن وجد ضعفا فأفطر فحسن»: «هذا حديث حسن صحيح»
شُرِعَتِ الرُّخَصُ في العِباداتِ لِمَن لا يَقدِرُ ولا يَقْوَى على الأخْذِ بالعَزيمةِ؛ رَحمةً مِن اللهِ عزَّ وجلَّ ورِفْقًا بعِبادِه، فلا يُنقَصُ مِن قَدْرِ مَن أخَذَ بها ولا يُعابُ بها، بلْ إنَّ الأخذَ بالرُّخصةِ في مَوضعِها مِثلُ الأخذِ بالعَزيمةِ في مَوضعِها أيضًا.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا يُسافِرون مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمْ يَعِبْ ولم يُنكِرْ مَن صامَ على مَن أَفطَرَ؛ لأنَّه عَمِل بالرُّخصةِ، ولم يَعِبْ ولم يُنكِرْ مَن أفطَرَ على مَن صامَ بما عِندَه مِن عَزيمةٍ وقُدرةٍ؛ فكِلا الأمْرينِ مَشروعانِ للمُسافرِ، وهذا كلُّه مُراعاةٌ لاختلافِ أحوالِ النَّاسِ في السَّفرِ؛ فمَن استطاعَ الصَّومَ صامَ، ومَن لم يَستطِعْ أخَذَ بالرُّخصةِ دونَ حَرَجٍ. وقد جاءتِ الرُّخصةُ في فِطرِ المسافرِ في قولِ اللهِ تعالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ويَتأكَّدُ الفِطرُ إذا كان المُسافرُ في حَجٍّ أو جِهادٍ؛ لِيَقْوى عليه.
وفي الحديثِ: عدَمُ الغضَبِ أو الاعتراضِ على الأمْرِ الجائزِ.
وفيه: حُسنُ مُراعاةِ الصَّحابَةِ بعضِهم بَعْضًا، وعِلْمُهم بالرُّخَصِ والعَزائِمِ.
وفيه: أنَّ العِلمَ بشَرائِعِ الدِّينِ يَمْنَعُ وُقوعَ الاختِلافِ بيْن المُسلِمينَ.