باب ما جاء في أكل الشواء
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني محمد بن يوسف، أن عطاء بن يسار أخبره، أن أم سلمة أخبرته: أنها «قربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة وما توضأ» وفي الباب عن عبد الله بن الحارث، والمغيرة، وأبي رافع: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
كان التَّابعونَ يحرِصونَ على معرفةِ أحوالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعبادتَه، وكانَتْ أزواجُه رَضِي اللهُ عَنهنَّ خيرَ مَن نقَل للتَّابعينَ عبادتَه وأحوالَه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عطَاءُ بنُ يَسارٍ- أحدُ أئمَّةِ التَّابِعين وفُقهائِهم-: "دخَلْتُ على أمِّ سلَمةَ" زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فحدَّثَتْني أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يُصبِحُ جُنُبًا مِن غيرِ احتلامٍ ثمَّ يصُومُ"، أي: كانَتْ تُصيبُه الجَنابةُ مِن جِماعٍ ليلًا، ثمَّ يدخُلُ وَقْتُ الفجرِ ولم يكُنْ قدِ اغتَسَل، فيبدَأُ صومَه وهو على تِلك الجَنابةِ، وفي هذا إشارةٌ إلى مُباشَرتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للصَّومِ قبْلَ تطهُّرِه؛ لأنَّ الجَنابةَ تُطلَقُ على كلِّ مَن أنزَل المنيَّ أو جامَع، وسُمِّي بذلكَ؛ لاجتنابِه الصَّلاةَ والعباداتِ حتَّى يطَّهَّرَ منها.
وحدَّثَتْ أمُّ سلَمةَ رضِيَ اللهُ عنها عطاءً "أنَّها قرَّبَتْ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جَنْبًا مَشْوِيًّا فأكَل منه"، أي: إنَّها قدَّمَتْ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جَنْبَ شاةٍ شُوِيَ على النَّارِ، فأكَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم منه، "ثمَّ قام إلى الصَّلاةِ"، أي: إنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعدَما فرَغ مِن أكلِه قام ليُصلِّيَ، "ولم يتوضَّأْ" ولم يُحدِثْ وُضوءًا؛ فكأنَّها تَعني أنَّ آخِرَ أمرِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ الأكلَ ممَّا مسَّتْه النَّارُ أو غيَّرَتْه لا يُعَدُّ ناقضًا للوضوءِ.
وفي الحديث: مَشروعيَّةُ صِيامِ مَن أصبحَ جُنبًا، وأنَّه يُكمل صِيامَ يَومِه.
وفيه: أنَّ أكْلَ الطَّعامِ الذي أُنضِجَ على النارِ لا يَنقُضُ الوُضوءَ .