باب الوضوء مما غيرت النار 3
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن خالد الأزرق، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه
عن أنس بن مالك، قال: كان يضع يديه على أذنيه ويقول: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "توضؤوا مما مست النار" (2).
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على أن يُعلِّمَ أصحابَه ما يَطرَأُ من أسبابٍ تُحتِّمُ الطَّهارةَ والنَّظافةَ بالوضوءِ، وخاصَّةً منَ الأشياءِ الَّتي تَترُكُ أثرًا ورائحةً في الجسدِ، ومن ذلك الطَّعامُ الَّذي أُنضِجَ بالنَّارِ؛ فإنَّه يكونُ فوَّاحًا، وربَّما كان دَسِمًا، فيَحتاجُ المُسلمُ إلى الوُضوءِ، وكان التَّابعون يُجالِسُ بعضُهم بعضًا لمُذاكَرةِ العِلمِ ولمَعرِفةِ أحكامِ الدِّينِ والشَّرعِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ محمدُ بنُ شِهابٍ الزُّهريُّ: أخبَرني سَعيدُ بنُ خالدِ بنِ عَمرِو بنِ عثمانَ وأنا أُحدِّثه هذا الحديثَ -أي: حديثَ زيدِ بن ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «الوُضوء مما مسَّتِ النَّارُ»- أنَّه سَألَ عُروةَ بنَ الزُّبيرِ عن الوضوءِ ممَّا مسَّتِ النَّارُ، فقال عُروةُ: سَمِعتُ عائشةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تقولُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «توضَّؤُوا ممَّا مسَّتِ النَّارُ»، أي: تَوضَّؤوا بعدَ تناوُلِكم لكلِّ طعامٍ أثَّرت فيه النَّارُ. وقيل: المرادُ بالوُضوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ هو غَسلُ الفَمِ والكفينِ.
وقد وردَت أحاديثُ أُخرَى بتَركِ الوُضوءِ ممَّا مسَّت النَّارِ؛ ففي الصَّحيحينِ عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكَل كَتِفَ شاةٍ، ثمَّ صلَّى ولم يتوضَّأ. وروَى أبو داودَ والنَّسائيُّ وغيرُهما عن جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: «كان آخِرُ الأَمْرينِ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَرْكَ الوُضوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ». فثبَتَ أنَّ الأمرَ بالوُضوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ مَنسوخٌ، وأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَرَكَ الوُضوءَ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ قَبلَ وَفاتِه.