باب بيع المجازفة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن ميمون الرقي، حدثنا عبد الله بن يزيد، عن ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن سعيد بن المسيبعن عثمان بن عفان، قال: كنت أبيع التمر في السوق، فأقول: كلت في وسقي هذا كذا، فأدفع أوساق التمر بكيله وآخذ شفي، فدخلني من ذلك شيء، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا سميت الكيل فكله" (1).
حثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على إحسانِ التَّعامُلِ بينَ النَّاسِ في البيعِ والشِّراءِ، وإيفاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، وحَذَّر مِن الغشِّ والتَّدليسِ، وإنْقاصِ الموازينِ والمكاييل.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ رَضِي اللهُ عنه: "كنتُ أَبيعُ التَّمْرَ في السُّوقِ، فأَقولُ: كِلْتُ في وَسْقي هذا كَذا"، والوَسْقُ سِتُّون صاعًا ولعلَّ المرادَ أنَّه كان بيعًا بكيلِ البائعِ الأوَّلِ، ويَقولُ للمُشتَري: إنِّي كِلْتُ فيه عِندَ الشِّراءِ قَدْرَ هذا مِن الكيلِ ولا يَكيلُ له، والمشتري يَعتمِدُ على قولِه، فيَأخُذُه مِن غيرِ كيلٍ جديدٍ، "فأَدفَعُ أَوْساقَ التَّمْرِ بكَيْلِه"، أي: يَدفَعُ للمُشتَري أوساقَ التَّمرِ بكيلٍ مُسمًّى ومحدَّدٍ، "وآخُذُ شِفِّي"، أي: وآخُذُ رِبْحي، "فدَخَلني مِن ذلك شيءٌ"، أي: شكَكْتُ ودخَلَتِ الرِّيبةُ في قَلْبي مِن هذا الصَّنيعِ؛ لعدَمِ حُضورِ المشتَري عِندَ الكيلِ وهو يُفْضي إلى الجَهالةِ والنِّزاعِ، "فسَألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: إذا سَمَّيتَ الكيلَ فكِلْه"، أي: إذا سَمَّيتَ مِقْدارَ الكيلِ الأوَّلِ فكِلْه عندَ بيعِه للمُشتَري، ولا تَعتمِدْ على الكيلِ الأوَّلِ.
وقد ورَد عندَ ابنِ ماجَهْ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما: "نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن بيعِ الطَّعامِ حتَّى يَجرِيَ فيه الصَّاعانِ"، أي: يُقدَّرَ كَيلُه ويُعرَفَ مِقدارُه، "صاعُ البائعِ، وصاعُ المشتَري"، أي: يَكيلُه البائعُ والمشتري؛ حتَّى يَكونَ أبْرَأَ للذِّمَّةِ وأبعَدَ عن الشُّبهةِ.
وفي الحديثِ: إرشادٌ إلى التَّحرُّزِ مِن إنقاصِ الموازينِ والمكاييلِ ولو شيئًا قليلًا.
وفيه: الحثُّ على مراقبةِ اللهِ تعالى في أمورِ البيعِ والشِّراءِ.
وفيه: أنَّ الأَوْلى في البيعِ والشِّراءِ هو كيلُ الْمَبيعِ عندَ كلِّ مرَّةٍ حتَّى يَزولَ الشَّكُّ والرِّيبةُ ويَنقطِعَ النِّزاعُ.