باب تحريم الربيبة وأخت المرأة
بطاقات دعوية
عن أم حبيبة بنت أبي سفيان - رضي الله عنهما - قالت دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له هل لك في أختي بنت أبي سفيان فقال أفعل ماذا قلت تنكحها قال أو تحبين ذلك قلت لست لك بمخلية (1) وأحب من شركني في الخير أختي قال فإنها لا تحل لي قلت فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة قال بنت أم سلمة قلت نعم قال لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن. (م 4/ 165
إرضاعُ المرأةِ طِفلًا غيرَ وَلَدِها تَترتَّبُ عليه أحكامٌ شَرعيَّةٌ؛ فإنَّه يَحرُمُ مِن الرَّضاعِ ما يَحرُمُ مِن النَّسبِ.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أُمُّ المؤمنين أُمُّ حَبِيبَةَ رَملةُ بنتُ أبي سُفْيَانَ زَوْجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها طَلَبَتْ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَتزَّوجَ أُختَها حَمْنَةَ بنتَ أبي سُفْيَانَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَوَتُحِبِّينَ ذلكِ؟!» وهو استفهامُ تعجُّبٍ من كونِها تطلُبُ أن يتزوَّجَ غيرَها مع ما طُبِع عليه النِّساءُ من الغَيرةِ، فأجابَتْه رضِيَ اللهُ عنها بـ«نعم، لَسْتُ لك بِمُخْلِيَةٍ»، أي: لستُ زوجتَك الوحيدةَ، بل يُشارِكُني فيك غيري، وأَحَبُّ شَخصٍ لي يُشارِكُني في الخيرِ أُختي، قيل: المرادُ بالخيرِ صُحبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المتضَمِّنةُ لسعادةِ الدَّارَينِ، السَّاتِرةُ لِما يَعرِضُ من الغَيرةِ التي جرت بها العادةُ بين الزَّوجاتِ؛ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ ذلك لا يَحِلُّ لي»؛ لأنَّ فيه الجمعَ بيْن الأُختَيْن، وهو محَرَّمٌ بنصِّ القرآنِ؛ قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23].
فسألت أمُّ حَبيبةَ رضِيَ اللهُ عنها رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كونِه يريدُ الزَّواجَ من دُرَّةَ بنتِ أبي سَلَمةَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: «بنتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟» هذا سؤالُ استِثباتٍ ونَفْيِ احتمالِ إرادةِ غَيرِها، والمعنى: أتقصِدين بنتَ زوجتي أمِّ سَلَمةَ؟ «لو أنَّها لم تَكُنْ رَبِيبَتِي في حَجْرِي»، سُمِّيت بنتُ الزَّوجةِ رَبِيبَةً؛ لأنَّ زَوْجَ الأُمِّ يَرُبُّها، أي: يُصلِحُها؛ لأنَّه يقومُ بأُمورِها وإصلاحِ حالها، «ما حَلَّتْ لي» يعني: لو كان بها مانعٌ واحدٌ لكَفَى في التَّحريمِ؛ فكيف وبها مانِعانِ؟! وهما: كونُها ربيبَته، وكَونُها بنتَ أخيه أبي سَلَمةَ رضِيَ اللهُ عنه من الرَّضاعةِ، فذكر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِلَّةَ الأخرى في تحريمِها، وهي كونُها ابنَة أخيه أبي سَلَمةَ مِنَ الرَّضاعةِ؛ حيث أرضعَتْهما ثُوَيبةُ مَولاةُ أبي لهبٍ، ثم نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أن يَعرِضْنَ عليه أخواتِهنَّ أو بناتِهنَّ للزَّواجِ.
وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «في حَجْرِي» تأكيدٌ، وليس قيدًا في التحريمِ عند الجُمهورِ، بل خَرَج مخرَجَ الغالِبِ، فتَحرُمُ الرَّبيبةُ وإن لم تكُنْ في حَجْرِه. والمرادُ بالحَجْرِ هنا: الحَضانةُ والكَفالةُ والعَطفُ. يقال: فلانٌ في حَجرِ فُلانٍ، أي: في كَنَفِه ومَنَعتِه ورعايتِه. وقد رَاعَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقوله: «في حَجْرِي» لفظَ الآيةِ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23].
قال عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ: «ثُوَيْبةُ مَوْلاةٌ لأبي لَهَبٍ، كان أبو لَهَبٍ أَعْتَقَها، فأَرْضَعَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، وظاهِرُه أنَّ عِتقَه لها كان قبل إرضاعِها لرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقيل: إنما أعتَقَها قبيل هجرتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فلمَّا مات أبو لَهَبٍ رآه بعضُ أهلِه في المنامِ -قيل الرَّائي كان العَبَّاسَ رضِيَ اللهُ عنه- بِسُوءِ حالٍ، فسَأَله الرَّائِي: ماذا لَقِيتَ بعدَ الموتِ؟ فأجَابَه أبو لَهَبٍ: لم أَلْقَ بعْدَكم خيرًا، أي: لم أَلْقَ بعْدَكم راحةً، غيرَ أنِّي سُقِيتُ في هذه -وأشار إلى النُّقْرَةِ التي تحتَ إبهامِه، كما في روايةٍ مُرسَلةٍ عند عبدِ الرَّزَّاقِ- وفي ذلك إشارةٌ إلى حَقَارَةِ ما سُقِيَ مِن الماءِ- «بعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ»، أي: بِتَخْلِيصِها مِن الرِّقِّ.
وفي الحَديثِ: أنَّه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعةِ ما يَحْرُمُ منَ النَّسَبِ.
وفيه: أنَّ الكافِرَ قدْ يُعطَى عِوَضًا مِن أعمالِه التي يكونُ مِثلُها قُربةً لأهلِ الإيمانِ.