باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها 1
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة. (م 4/ 112
جَعَل اللهُ عزَّ وجلَّ لمكَّةَ والمدينةِ مَنزِلةً تَفُوقُ غيرَهما مِن الأماكنِ والمنازلِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ حرَّمَ مكَّةَ بِتَحريمِ اللهِ، ودَعا لَها، كما في قَولِه تعالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126]، وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حرَّمَ المدينةَ كَما حرَّمَ إبراهيمُ مكَّةَ، ودَعَا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للمَدينةِ أنْ يُبارَكَ فيما كِيلَ في مُدِّها وصاعِها، مِثلَ ما دَعا إبراهيمُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لمكَّةَ. والمرادُ بالبَركَةِ في المُدِّ والصَّاعِ: ما يُكالُ بِهما، والمُدُّ والصَّاعُ مِن المَقاييسِ والمَكاييلِ القديمةِ، تَختلِفُ أحْجامُها باخْتِلاف البُلدانِ، والصَّاع أربعةُ أمدادٍ.
ومعْنى تَحريمِها: أنْ يَأمَنَ فيها كلُّ شَيءٍ على نفْسِه، حتَّى الحيوانُ فلا يُصادُ، وحتَّى الشَّجرُ فلا يُقطَعُ، إلَّا ما يَزرَعُه الآدميُّ بنفْسِه، وألَّا يُحدِثَ فيها إنسانٌ حَدَثًا يُخالِفُ دِينَ اللهِ، أو جُرمًا، أو ظُلمًا، أو يَقترِفَ حَدًّا. بيَّنَ ذلك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال –كما في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما- بعد فَتْحِ مَكَّةَ: «إنَّ اللهَ حرَّم مَكَّةَ فَلمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلي، ولا تَحِلُّ لأَحَدِ بَعْدي، وإنَّما أُحِلَّت لِيَ ساعةً مِن نَهارٍ، لا يُختَلَى خَلَاها، ولا يُعْضَدُ شَجَرُها، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُها، ولا تُلتَقَطُ لُقَطَتُها إلَّا لِمُعَرِّفٍ».
وكما في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه: «المَدِينةُ حَرَمٌ مِن كَذَا إلى كَذَا، لا يُقْطَعُ شَجَرُها، ولا يُحدَثُ فيها حَدَثٌ، مَن أحْدَثَ حَدَثًا فَعليه لَعْنةُ اللهِ والمَلائكةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ».