باب تفليس المعدم والبيع عليه لغرمائه 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شبابة، حدثنا الليث بن سعد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عياض بن عبد الله بن سعد
عن أبي سعيد الخدري، قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تصدقوا عليه" فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" يعني الغرماء (1).
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُقيمُ دَعائمَ المجتمعِ على التَّراحمِ والتَّكافلِ، وكان دائِمًا ما يُحرِّضُ صاحِبَ الدَّيْنِ على الوَضْعِ مِن دَيْنِهِ في حقِّ المَدينِ إذا أصابتْه نَوائبُ الدَّهرِ واجتاحَتْ مالَه؛ مِن ثمَرٍ أو نقْدٍ أو أصولٍ أو غيرِ ذلك، حتَّى أصبَحَ مِن شَأنِ المُسلِمِ أنْ يَسعى دائِمًا في حاجةِ أخيهِ المسلِمِ، وخاصَّةً في المصائِبِ والنَّوازِلِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رجلًا في عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أصابَتْ ثِمارَه آفَةٌ أدَّتْ إلى إتْلافِ ثِمارِه الَّتي اشْتراها ولم يَدفَعْ ثَمنَها، فازدادتْ عليه الدُّيونُ بسَببِ ذلك، فأمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم النَّاسَ أنْ يَتصدَّقوا عليه؛ حتَّى يَتمكَّن مِن سَدادِ الدَّينِ الَّذي عليه، فاستجاب الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم لأمرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وتَصدَّقوا عليه، فلم يَستوْفِ ما جَمَعه مِن النَّاسِ مَجموعَ دَينِه لكثْرتِه، وبَقِي عليه جزءٌ منه، فأمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الغُرَماءَ -وهم أصْحابُ الدَّيْنِ- أنْ يَأخُذوا ما وَجدوا عِندَه ممَّا بَقِيَ ويُنتفَعُ به مِن الثِّمارِ، وما حَصَلَ عليه مِن الصَّدَقةِ، وقولُه: «ولَيسَ لَكمْ إلَّا ذلِكَ»، أي: ليسَ لَكمْ طلَبُ ما بَقِيَ لكُم مِن دَيْنٍ وما عجَزَ عن وَفائهِ، وقيلَ: ليسَ لَكمْ إلَّا ذلكَ لإفلاسِهِ الآنَ، وأنَّهُ يُنظَرُ إلى مَيْسرةٍ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
وفي الحديثِ: أنَّ المفْلِسَ يُؤخَذُ ما بَقِي عندَه بقِيمتِه، ولا يُحبَسُ ولا يُزجَرُ، ولكنَّه يُنظَرُ إلى مَيسرةٍ، ثمَّ يَرُدُّ دُيونَه لأهلِها.
وفيه: فضْلُ مُواساةِ المحتاجِ ومَن عليه دَينٌ، والحثُّ على الصَّدقةِ عليه.