باب جهل العرب
بطاقات دعوية
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة {الأنعام}: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} إلى قوله: {قد ضلوا وما كانوا مهتدين}
كان العرَبُ في الجاهِليَّةِ أهْلَ كُفرٍ وشِركٍ، وكانت لهم عاداتٌ لا تتَّفِقُ مع صَحيحِ العَقلِ، فجاء الإسْلامُ فصَحَّحَ ذلك وأرْشَدَهم إلى الحقِّ والخَيرِ والطَّاعاتِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «إذا سرَّكَ أنْ تعلَمَ جَهلَ العرَبِ»، أي: مُقارنةَ ما كانوا عليه مِن جَهلٍ قبْلَ مَبعَثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبعْدَه، فاقْرَأْ ما فوقَ الثَّلاثينَ ومِئةٍ مِن الآياتِ في سُورةِ الأنْعامِ، والمُرادُ قولُ اللهِ تعالَى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ} مَخافةَ الفَقرِ، {سَفَهًا}، أي: ذَوِي سَفَهٍ، {بِغَيْرِ عِلْمٍ}؛ لأنَّ الفقرَ وإنْ كان ضَررًا فإنَّ القَتلَ أعظَمُ منه، وهذه السَّفاهةُ إنَّما تَولَّدتْ مِن عَدمِ العِلمِ بأنَّ اللهَ رازقُ أوْلادِهم، ولا شكَّ أنَّ الجَهلَ مِن أعظَمِ المُنكَراتِ والقَبائحِ، {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} إلى قولِه: {قَدْ ضَلُّوا} عنِ الحقِّ {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140].
والمَعْنى الإجْماليُّ للآيةِ: قدْ هَلَكَ هؤلاءِ المشركونَ الَّذين قَتَلوا أولادَهم، وحرَّموا ما أَحَلَّه اللهُ تعالَى مِن أنعامِهم، وجَعَلَه رِزْقًا لهم، وخَسِروا فِي الدُّنيا والآخرةِ؛ ففي الدُّنيا خَسِروا أولادَهم بِقَتْلِهم، وَضَيَّقُوا عليهم في أموالِهم، بما حَرَّموا مِن أشياءَ ابْتَدَعوها، وفي الآخرةِ يَصيرون إلى شَرِّ المَنازِلِ بكَذِبِهم على اللهِ، وقدْ فَعَلوا ذلك جَهالةً منهم، صادرةً عن نَقْصِ عُقولٍ، وضَعْفِ أحلامٍ، وقِلَّةِ فَهْمٍ بعاجِلِ ضَرَرِ ذلك وآجِلِه؛ وذلك كَذِبًا عليه سُبحانه وتعالَى.
وقولُه: {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} بعْدَ قولِه: {قَدْ ضَلُّوا} إشارةٌ إلى أنَّ الإنْسانَ قدْ يضِلُّ عنِ الحقِّ ويَعودُ إلى الاهْتِداءِ، فبيَّنَ أنَّهم قدْ ضلُّوا ولم يَحصُلْ لهم الاهتِداءُ قطُّ، وهذا نِهايةُ المُبالَغةِ في الذَّمِّ.