باب حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم 2

سنن ابن ماجه

باب حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم 2

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر العبدي، عن محمد بن عمرو، حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب
عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحج على أنواع ثلاثة: فمنا من أهل بحج وعمرة معا، ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة مفردة، فمن كان أهل بحج وعمرة معا، لم يحلل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج، ومن أهل بالحج مفردا لم يحلل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج، ومن أهل بعمرة مفردة، فطاف بالبيت، وبين ا وبين الصفا والمروة، حل ما حرم عنه حتى يستقبل حجا (1)

قوله " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم " قيل " : هو محمول على التمتع اللغوي وهو الانتفاع . ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قارنا عند قوم ، والقران فيه تمتع وزيادة - إذ فيه إسقاط أحد العملين ، وأحد الميقاتين - سمي تمتعا على هذا ، باعتبار الوضع اللغوي . وقد يحمل قوله " تمتع " على الأمر بذلك ، كما قيل بمثل هذا في حجة [ ص: 460 ] النبي صلى الله عليه وسلم لما اختلفت الأحاديث ، وأريد الجمع بينها ، ويدل على هذا التأويل المحتمل : ما ذكرناه ، وأن ابن عمر - راوي هذا الحديث - هو الذي روى " أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد " .

وقوله " وساق الهدي " فيه دليل على استحباب سوق الهدي من الأماكن البعيدة . وقوله " فبدأ فأهل بالعمرة ثم بالحج " نص في الإهلال بهما .

ولما ذهب بعض الناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قارن - بمعنى أنه أحرم بهما معا - احتاج إلى تأويل قوله " أهل بالعمرة ثم بالحج " فإنه على خلاف اختياره . فيجعل الإهلال في قوله : أهل بالعمرة ثم بالحج " على رفع الصوت بالتلبية ويكون قد قدم فيها لفظ الإحرام بالعمرة على لفظه بالحج . ولا يراد به تقديم الإحرام بالعمرة على الإحرام بالحج ; لأنه خلاف ما رواه واعلم أنه لا نحتاج الجمع بين الأحاديث إلى ارتكاب كون " القران " بمعنى : تقديم الإحرام بالحج على الإحرام بالعمرة . فإنه يمكن الجمع ، وإن كان قد وقع الإحرام بالعمرة أولا . فالتأويل الذي ذكره على الوجه الذي ذكره : غير محتاج إليه في طريق الجمع .

وقوله " فتمتع الناس إلى آخره " حمل على التمتع اللغوي . فإنهم لم يكونوا متمتعين بمعنى التمتع المشهور ، فإنهم لم يحرموا بالعمرة ابتداء . وإنما تمتعوا بفسخ الحج إلى العمرة على ما جاء في الأحاديث . فقد استعمل " التمتع " في معناه اللغوي ، أو يكونون تمتعوا بفسخ الحج إلى العمرة ، كمن أحرم بالعمرة ابتداء . نظرا إلى المآل . ثم إنهم أحرموا بالحج بعد ذلك ، فكانوا متمتعين . وقوله صلى الله عليه وسلم " من كان منكم قد أهدى - إلى آخره " موافق لقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .

وقوله " فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة " دليل على طلب هذا الطواف في الابتداء .

وقوله " فليقصر " أي من شعره . وهو التقصير في العمرة عند التحلل منها . قيل : وإنما لم يأمره بالحلق حتى يبقى على الرأس ما يحلقه في الحج فإن الحلاق في الحج أفضل من الحلاق في العمرة . كما ذكر بعضهم . واستدل بالأمر [ ص: 461 ] في قوله " فليحلق " على أن الحلاق نسك . وقيل : في قوله " فليحلل " إن المراد به : يصير حلالا . إذ لا يحتاج بعد فعل أفعال العمرة ، والحلاق فيها : إلى تجديد فعل آخر . ويحتمل عندي أن يكون المراد بالأمر بالإحلال : هو فعل ما كان حراما عليه في حال الإحرام من جهة الإحرام ، ويكون الأمر للإباحة .

وقوله " فمن لم يجد الهدي " يقتضي تعلق الرجوع إلى الصوم عن الهدي بعدم وجدانه حينئذ ، وإن كان قادرا عليه في بلده ; لأن صيامه ثلاثة أيام في الحج إذا عدم الهدي يقتضي الاكتفاء بهذا البدل في الحال ، لقوله " ثلاثة أيام في الحج " وأيام الحج محصورة ، فلا يمكن أن يصوم في الحج إلا إذا كان قادرا على الصوم في الحال ، عاجزا عن الهدي في الحال ، وذلك ما أردناه .
[ ص: 462 ] ثم خب ثلاثة أطواف " دليل على استحباب الخبب وهو الرمل في طواف القدوم .

وقوله " ثلاثة أطواف " يدل على تعميم هذه الثلاثة بالخبب ، على خلاف ما تقدم من حديث ابن عباس ، وقد ذكرنا ما فيه .

وقوله " عند المقام ركعتين " دليل على استحباب أن تكون ركعتا الطواف عند المقام . و " طوافه بين الصفا والمروة " عقيب طواف القدوم : دليل على مشروعية ذلك على هذا الوجه ، واستحباب أن يكون السعي عقيب طواف القدوم . وقد قال بعض الفقهاء : إنه يشترط في السعي : أن يكون عقيب طواف كيف كان . وقال بعضهم : لا بد أن يكون عقيب طواف واجب . وهذا القائل يرى أن طواف القدوم واجب ، وإن لم يكن ركنا .

وقوله " ثم لم يحلل . .. إلخ " امتثالا لقوله تعالى { حتى يبلغ الهدي محله } ودليل على أن ذلك حكم القارن .

وقوله " وفعل مثل ما فعل من ساق الهدي " يبين أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن ساق الهدي في حديث آخر بأن " لا يحل منها حتى يحل منهما جميعا " .