باب حديث الإفك 4
بطاقات دعوية
عن عائشة - رضي الله عنها - كانت تقرأ: {إذ تلقونه بألسنتكم} (101)، وتقول: (الولق): الكذب.
قال ابن أبي مليكة: وكانت أعلم من غيرها بذلك؛ لأنه نزل فيها.
حرَّمَ اللهُ الكَذِبَ، وإلْصاقَ التُّهَمِ مِن غيرِ بيِّنةٍ، والخَوضَ في الأعْراضِ؛ كُلُّ هذه الأشْياءِ مِن آفاتِ اللِّسانِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عبدُ اللهِ بنُ أبي مُلَيْكةَ أنَّ أُمَّ المؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها كانت تَقْرأُ قولَ اللهِ تعالَى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15]، هكذا: (تَلِقُونَهُ) بكَسرِ اللَّامِ، وضَمِّ القافِ المُخَفَّفةِ، وتُفسِّرُه بقَولِها: الوَلْقُ: الكذبُ، وهو الإسْراعُ في الكَذِبِ، والاسْتِمرارُ فيه، وقِراءةُ أُمِّ المؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها خِلافُ القِراءةِ المَشْهورةِ المتواترةِ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ}، بفَتحِ اللَّامِ وتَشْديدِ القافِ مِن التَّلَقِّي، أي: يُلقي بعضُكم إلى بعضٍ حَديثَ الإفْكِ، ولا يَجوزُ قِراءةُ الآيةِ بقِراءةِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها في الصَّلاةِ؛ إنَّما هي قِراءةٌ تَفسيريَّةٌ.
ثمَّ أخبَرَ ابنُ أبي مُلَيْكةَ أنَّ أُمَّ المؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها كانت أعلَمَ بهذه القِراءةِ مِن غَيرِها؛ لأنَّ الآياتِ قدْ نزَلَت في شَأْنِها؛ فقدْ أشاعَ المُنافِقونَ فِرْيةً وإفْكًا على الصِّدِّيقةِ بِنتِ الصِّدِّيقِ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، واتَّهَموها في عِرْضِها، لا كَراهةً لذاتِها، ولكنْ كَراهةً لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبُغضًا له، ومَحبَّةً في إيذائِه، وأنْ يُدنَّسَ فِراشُه، قاتَلَهمُ اللهُ أنَّى يُؤْفَكونَ، فأنزَلَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى آياتٍ في سُورةِ النُّورِ تُبرِّئُ أُمَّ المؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها ممَّا قيلَ فيها، وتُرَبِّي المُجتمَعَ المُسلِمَ على آدابِ التَّعامُلِ عندَ انْتِشارِ مثلِ هذه الشَّائعاتِ والأكاذيبِ، ومنها هذه الآيةُ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}، وكان الورَعُ والتُّقى ألَّا يَتكَلَّموا في هذا الأمْرِ ويَخْوضوا فيه، حتَّى يَتَبَيَّنوا صِدْقَه أوَّلًا؛ وذلك كأنْ يَسْألوا أنفُسَهم: مِن أينَ مَصدَرُه؟ وفيمَن يُقالُ؟ فمَصدَرُه منَ المُنافِقينَ الَّذين هُم أكذَبُ عِبادِ اللهِ.