باب حكم المحاربين والمرتدين

بطاقات دعوية

باب حكم المحاربين والمرتدين

 حديث أنس: أن نفرا من عكل ثمانية، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض فسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " أفلا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من ألبانها وأبوالها " قالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها، فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم، فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا

الخيانة صفة نكراء تنفر منها الطباع السوية، فإذا أضيف للخيانة القتل والسرقة، ازداد سوؤها وعارها، واستحق فاعلها أشد العقوبة وأشنعها
وفي هذا الحديث يخبر أنس رضي الله عنه أن ناسا من عكل وعرينة -وعكل: قبيلة من قبائل العرب، وعرينة: حي من قبيلة بجيلة- قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم ونطقوا بكلمة التوحيد، وأظهروا الإسلام، ولكنهم كرهوا الإقامة بالمدينة؛ لما أصابهم من الداء في أجوافهم، فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهل ضرع، أي: ماشية وإبل، ولم نكن أهل ريف، أي: أرض زرع وخصب، واستوخموا المدينة، أي: لم توافقهم في جوها وهوائها، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، والذود من الإبل: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وأمرهم أن يخرجوا في الذود، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، وكانت الإبل ترعى خارج المدينة آنذاك، وكان على هذه الإبل التي أرسلهم إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم راع يرعاها، وكان اسمه يسارا النوبي، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة، وهو مكان في المدينة أرضه ذات حجارة سود كأنها احترقت بالنار، وصحت أجسامهم وسمنوا، ورجعت إليهم ألوانهم بعد أن شربوا من ألبان الإبل وأبوالها؛ كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم يسارا، ومثلوا به، وذلك عندما استاقوا الذود، وأدركهم يسار، فقاتلهم فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينه حتى قتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث صلى الله عليه وسلم ناسا وراءهم، فأدركوهم، وأمسكوا بهم، فأخذوا، فأمر بهم، فسمروا أعينهم، أي: كحلت بالمسامير المحمية، وقطعوا أيديهم وأرجلهم، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم؛ جزاء لخيانتهم، وقصاصا لما فعلوه براعي النبي صلى الله عليه وسلم
وقال قتادة بن دعامة: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة، وينهى عن المثلة، والمثلة: هي قطع أطراف الإنسان، أو الحيوان، وتشويهه، وكذا قطع أنفه أو أذنه، إلا إذا كانت المثلة قصاصا؛ فإنه غير منهي عنها؛ لأنه تعالى قال: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126]، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع قتلة الراعي، وقد فعل فيهم مثل ما فعلوه في الراعي
وفي الحديث: التحذير من الخيانة، وسوء عاقبة الخائنين
وفيه: أن العقوبة على قدر الجرم
وفيه: مشروعية التداوي بألبان الإبل وأبوالها