باب خروج النساء إلى البراز
بطاقات دعوية
عن عائشة أن أزواجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ يَخرُجن بالليلِ (وفي روايةٍ: ليلاً إلى لَيْلٍ ) إذا تَبَرَّزْن إلى المَناصع، وهو صعيدٌ أفيَحُ، فكان عُمر يقولُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: احجُب نساءَكَ، فلم يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلُ، فخرجتْ سوْدَةُ بنتُ زمْعَةَ زوجُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليلةً من الليالي عِشاءً، وكانتِ امرأَةً طويلةً، فناداها عُمرُ [وهو في المجلس، فقالَ]: ألا قد عرَفناكِ يا سَوْدةُ! حِرصاً على أن يُنزَل الحِجابُ، [قالت:] فأنَزَلَ الله [آية] الحِجاب .
زَوجاتُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هنَّ أُمَّهاتُ المؤمنينَ، ولهنَّ مَكانةٌ خاصَّةٌ في نُفوسِ الناسِ، وقدْ أنزَلَ اللهُ أحكامًا خاصَّةً بهنَّ؛ لحِفظِهنَّ ورَفْعِ مَكانَتِهنَّ.وفي هذا الحَديثِ تَحكي عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُنَّ يَخرُجنَ في اللَّيلِ إذا «تَبَرَّزْنَ»، أي: إذا خَرَجْنَ إلى البَرازِ للبَولِ والغائِطِ، إلى «المَناصِعِ»، وهي مَواضِعُ في آخِرِ المدينةِ مِن جِهةِ البَقيعِ، وهو «صَعيدٌ أَفْيَحُ»، أي: مَكانٌ واسِعٌ خالٍ مِن الأبْنيةِ، وكنَّ يَخرُجْنَ إليه في اللَّيلِ. وكان الخروجُ إليها في أوَّلِ الأمرِ لعَدَمِ وُجودِ الكُنفِ والحمَّاماتِ في البُيوتِ، وكان ذلك رُخصةً لهنَّ، ثمَّ لَمَّا اتُّخِذَت الحمَّاماتُ في البُيوتِ كانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه يَطلُبُ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَمنَعَ نِساءَه مِن الخُروجِ مِن البُيوتِ، فلَم يكُنْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفعَلُ ما طَلَبَه عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه؛ وذلك أنَّ خُروجَهنَّ كان ممَّا لا بُدَّ منه، فخَرَجَت سَوْدَةُ بِنتُ زَمْعَةَ رَضيَ اللهُ عنها زَوْجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في لَيلةٍ مِن اللَّيالي عِشاءً في ظُلمةِ اللَّيلِ حتَّى لا يَشعُرَ بها أحَدٌ، وكانَت امرأةً طَويلةً ومُميَّزةً بهذا، فَناداها عُمَرُ: ألَا قَد عَرَفْناكِ يا سَوْدَةُ؛ حِرصًا على أنْ يَنزِلَ الحِجابُ، فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ آيةَ الحِجابِ، وهي قولُ اللهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا النبيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].وكان للنِّساءِ في التَّستُّرِ عندَ قَضاءِ الحاجةِ ثلاثُ حالاتٍ؛ الأُولى: بالظُّلمةِ؛ لأنَّهنَّ كنَّ يَخرُجْنَ باللَّيلِ دونَ النَّهارِ، قالتْ عائشةُ في قِصَّةِ الإفكِ: «فخرَجَتْ معي أُمُّ مِسطَحٍ قِبَلَ المَناصعِ، وهو مُتبرَّزُنا، وكنَّا لا نَخرُجُ إلَّا لَيلًا»، ثمَّ نَزَلَ الحِجابُ، فتَستَّرْنَ بالثِّيابِ، لكنْ ربَّما كانتْ أشخاصُهنَّ تَتميَّزُ؛ ولهذا قال عمَرُ رضِيَ اللهُ تعالَى عنه: «قد عَرَفْناك يا سَودةُ»، وهذه هي الحالةُ الثانيةُ، ثمَّ لَمَّا اتُّخِذَت الكُنفُ في البُيوتِ مُنِعْنَ مِن الخُروجِ منها إلَّا للحاجةِ والضَّرورةِ، وهي الحالةُ الثالثةُ.وفي الحديثِ: مُراجَعةُ الأدْنى لِلأعلى في الشَّيءِ الَّذي يَتبَيَّن له، وفَضلُ هذه المُراجعةِ إذا لم يُقصَدْ بها التَّعنُّتُ؛ فإنَّه قد يَتبيَّن فيها مِن العِلمِ ما خَفِيَ.وفيه: التِزامُ النَّصيحةِ للهِ ولرَسولِه.وفيه: تَصرُّفُ النِّساءِ فيما لهُنَّ حاجةٌ إلَيه. وفيه: فَضيلةُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه.