باب دعاء أم سلمة1
سنن الترمذى
حدثنا الحسين بن علي بن يزيد الصدائي البغدادي قال: حدثنا الوليد بن القاسم الهمداني، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصا، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنب الكبائر»: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»
شَهادةُ التَّوحيدِ إقرارٌ للهِ سُبحانَه باستِحقاقِ العبادةِ وحدَه لا شَريكَ له، ونفيِ الشُّركاءِ معه، وهذه الشَّهادةُ هي التي تُنجِّي قائِلَها بصِدقٍ مِن النَّارِ ومِن عَذابِ يومِ القِيامةِ، وهي مَع ذلك ذِكرٌ خالصٌ للهِ لِمَن أحَبَّ أن يُداوِمَ عليها، ولها فضائلُ كثيرةٌ، وفي هذا الحَديثِ بيانُ بَعضِ فَضائِلها، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما قال عبدٌ: لا إلهَ إلَّا اللهُ قطُّ مخلِصًا"، أي: في غيرِ رياءٍ ولا سُمعةٍ ولم يُرِدْ بقولِها إلَّا وجهَ اللهِ تعالى، "إلَّا فُتِحَتْ له أبوابُ السَّماءِ"، أي: بإخلاصِه في قولِها، فلا تزالُ تصعَدُ بين السَّمواتِ السَّبعِ، "حتَّى تُفضِيَ إلى العرشِ"، أي: حتَّى تصِلَ وتنتهيَ إلى العَرشِ، والمرادُ سُرعةُ القَبولِ وكثرةُ الثَّوابِ، "ما اجتَنَبَ الكبائرَ"، أي: قيَّدَ سُرعةَ القَبولِ وكَمالَ الثَّوابِ باجتِنابِ الكبائرِ لأجلِ الثَّوابِ؛ فإنَّ الثَّوابَ يَحصُلُ للقائلِ، سواءٌ اجتنَب الكبائِرَ أو لم يَجتنِبْ، ولكنَّ ثوابَ مَن يَجتنِبُ الكبائرَ أكمَلُ ممَّن لم يَجتَنِبْ، فإنَّ السَّيِّئةَ لا تُحْبِطُ الحسَنةَ، بل تُحبِطُ الحسنةُ السَّيِّئةَ؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].
والكبائرُ: المقصودُ بها الذُّنوبُ العَظيمةُ، وهي كلُّ ذَنبٍ أُطلِقَ عليه- في القُرآنِ أو السُّنَّةِ الصَّحيحةِ، أو الإجماعِ- أنَّه كَبيرةٌ، أو أنَّه ذنبٌ عَظيم، أو أُخبِر فيه بشِدَّةِ العقابِ، أو كانَ فيه حَدٌّ، أو شُدِّدَ النَّكيرُ على فاعلِه، أو ورَد فيه لَعْنُ فاعلِه، وقيل: الكبائِرُ هي كلُّ فِعلٍ قَبيحٍ شَدَّدَ الشَّرْعُ في النَّهيِ عنه، وأعْظَمَ أمْرَه.
وفي الحديثِ: الترغيبُ في الإكثارِ مِن قولِ (لا إلهَ إلَّا اللهُ) مع الإخلاصِ فيها.
وفيه: بيانُ خَطرِ الكَبائِر مِن الذُّنوبِ.