باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أصلح الأنصار والمهاجرة"
بطاقات دعوية
عن سهل قال: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نحفر (وفي رواية: وهو يحفر 7/ 170) الخندق، وننقل التراب على أكتادنا (6)، [ويمر بنا]، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"اللهم! لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار (وفي رواية: للأنصار والمهاجرة".
لقدْ جاهَدَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم في اللهِ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقَّ الجِهادِ؛ لإعْلاءِ كَلِمتِه، وتَنْفيذًا لأمْرِه، ومُجاهَدةً لأعْدائِه، فأُوذوا وصَبَروا للهِ ابْتِغاءَ ما عندَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، ففازوا بخَيرَيِ الدُّنْيا والآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَهلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزوةِ الخَندَقِ، والخَندَقُ هو الحُفرةُ العَميقةُ والطَّويلةُ حَولَ شَيءٍ مُعيَّنٍ، أو في جِهةٍ مُعيَّنةٍ، وقدْ حفَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَمالَ المَدينةِ بعْدَ أنْ أشار عليه سَلْمانُ الفارسيُّ؛ لحِمايَتِها منَ الأحْزابِ الَّتي جَمعَتْها قُرَيشٌ لحَربِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه، وكان ذلك في سَنةِ خَمسٍ منَ الهِجْرةِ.
قال سَهلٌ رَضيَ اللهُ عنه: «وهمْ يَحفِرون»، أي: بعضُ المسلمينَ، «ونحن نَنقُلُ التُّرابَ على أكْتادِنا»، أي: على أكْتافِنا وظُهورِنا، والكَتَدُ: هو المَوضِعُ ما بيْنَ الكَتِفِ المُوصِّلِ للعُنُقِ والظَّهرِ. فبَعضُهم كان يَحفِرُ، والبَعضُ الآخَرُ كان يَنقُلُ التُّرابَ.
وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُشارِكُهم في الحَفرِ بيَدَيْه، يَحمِلُ معَهمُ التُّرابَ، وكانوا على هذه الحالِ منَ التَّعبِ، والمَشقَّةِ، والخَوفِ، والجوعِ، حيث لا عَيشَ ولا حَياةَ هانِئةٌ، ولا مَعيشةَ صافيةٌ، وهو ما يَرْجوه كلُّ إنْسانٍ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبشِّرًا لهم: «اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ، فاغْفِرْ لِلْمُهاجِرِينَ والأنْصَارِ»، أيْ: لا عَيشَ على وَجهِ الحَقيقةِ إلَّا العَيشُ في الآخِرةِ في رِضْوانِ اللهِ ورَحْمتِه، ثمَّ دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَغْفِرةِ للمُهاجِرينَ الَّذين تَرَكوا دِيارَهم وأمْوالَهم يَبْتَغونَ فَضلًا منَ اللهِ ورِضْوانًا، وللأنْصارِ الَّذينَ آوَوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُهاجِرينَ ونَصَروهم، وقاسَموهم في أمْوالِهم.
وفي الحَديثِ: بَيانُ حالِ الشِّدَّةِ والخَوفِ الَّذي كان عليه المُسلِمونَ في حَفرِ الخَندَقِ.
وفيه: بَيانُ حُسنِ مُلاطَفةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للنَّاسِ، والتَّخْفيفِ عنهم في أحْلَكِ الظُّروفِ، وهذا شَأنُ كلِّ داعِيةٍ يُبشِّرُ ولا يُنفِّرُ.
وفيه: بَيانُ مَنقَبةِ المُهاجِرينَ والأنْصارِ، حيث فازوا بدَعْوةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم بالمَغفِرةِ.