باب ذكر البعث3
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حاتم ابن أبي صغيرة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، قال:
قالت عائشة: قلت: يا رسول الله، كيف يحشر الناس يوم القيامة؟ قال: "عراة حفاة". قلت: والنساء؟ قال: "والنساء" قلت يا رسول الله، فما يستحيا؟ قال: "يا عائشة، الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض" (1)
يومُ القيامةِ يَومٌ عَظيمٌ وشَديدٌ، يقومُ فيه النَّاسُ بيْنَ يَدَي ربِّ العالَمِين للحسابِ، وفيه مِن الأهوالِ ما يُذهِلُ العقولَ والألبابَ، ويَظهَرُ النَّاسُ فيه كالسُكارى مِن شِدَّةِ الخوفِ.
وفي هذا الحديثِ يَصِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ ما في هذا اليومِ، حيث يقولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يومَ القيامةِ»، فيُجْمَعون بعْدَ البَعثِ مِن الموتِ، ويَقُومون للحسابِ، وهم حُفاة الأقدامِ بلا أحذيةٍ ولا نِعالٍ، وعُراةُ الأجسادِ بلا ثِيابٍ ولا سُتُورٍ، غُرْلًا غيرَ مَخْتونِين، قد ذهَب عنهم كلُّ ما كَانوا فيهِ في الدُّنيا وعَادُوا كما خَلَقَهم اللهُ؛ كما في قولِه تعالَى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]، فلمَّا سَمِعَت عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها ذلكَ قالتْ مُتسائلةً مُتعجِّبةً: «يا رسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جميعًا يَنظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ؟!»، وهذا اسْتِفهامٌ واسْتِغرابٌ من أنْ يُجْمَعَ النُّاسُ عُراةً وعَوْراتهم ظَاهِرة أمام بعضِهم رجالًا ونساءً؛ فهل يَنظُرون إلى بعضِهم البَعضِ؟! فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا عائشةُ، الأمرُ أَشَدُّ مِن أنْ يَنظُرَ بعضُهم إلى بعضٍ»، أيْ: إنَّ شأنَ المُوقِفِ والحَشْرِ بَعْدَ البَعْثِ مِن الموتِ فيه مِن الأهوالِ ما يَأخُذُ اهْتِمامَ النَّاسِ وأَبْصارَهم عن النَّظرِ إلى العَوْراتِ، ومِنْها ما قال اللهُ تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2].
وفي الحديثِ: إثباتُ البَعثِ بعدَ الموتِ، وإثباتُ حَشرِ الخَلْقِ يومَ القِيامةِ.