باب سجود القرآن 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله! أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود، فأبيت، فلي النار" (1).
يُوجَدُ آياتٌ في القرآنِ الكريمِ يُشرَعُ سُجودُ التِّلاوةِ عندَ تِلاوتِها، وقد حدَّدتِ السُّنَّةُ الشَّريفةُ مَواضِعَ آياتِ السُّجودِ مِنَ القرآنِ الكريمِ، وهذا السُّجودُ يَكونُ تَعبُّدًا لله سُبحانَه، وفيه أجرٌ للسَّاجِدينَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا قَرأ ابنُ آدمَ المُسلِمُ القرآنَ ووَصَلَ لقراءةِ آيَةٍ فيها سُجودٌ، فَسجَدَ سُجودَ تِلاوةٍ؛ اعتَزلَ الشَّيطانُ يَبكي عَلى ما فازَ به ابنُ آدمَ منِ امتِثالِه بالسُّجودِ؛ ويَقولُ وهو يَبكي: «يا وَيلَه!» وَفي رِوايةٍ: «يا وَيْلي»، ومعناه: يا حُزني يا هَلاكي؛ وهذا إظهارٌ للنَّدَمِ على ما سبقَ من عِصيانِ الشَّيطانِ لله وعدمِ استجابتِه لأمرِ اللهِ سُبحانَه، بَينَما أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجودِ، فَسجَدَ، فَلَه الجنَّةُ، وسَببُ دُخولِ ابنِ آدمَ الجنَّةَ امتِثالُه لأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأُمِرَ الشَّطانُ بالسُّجودِ، فأبَى -وفي رِوايةٍ: فَعصيتُ- فلَه النَّارُ، أي: إنَّه استَحَقُّ النَّارَ لِعَدمِ امتِثالِ أمرِ اللهِ تَعالَى، كما ورَدَ في قولِ اللهِ تَعالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة: 34].
فالشَّيطانُ يَتحسَّرَ مرَّاتٍ؛ مَرَّةً لِفَشلِه في مُحاوَلتِه الإيقاعَ بابنِ آدمَ في المعصيةِ، ومَرَّةً لوُقوعِه هو في المَعصيةِ الماحِقةِ، وتَكبُّرِه على أوامرِ اللهِ، ومَرَّةً لاستحقاقِ ابنِ آدمَ المُسلِمِ الجَنَّةَ لطاعتِه اللهَ، بَينَما الشَّيطانُ مَحكومٌ عليه بالطَّردِ والإبعادِ من رحمةِ اللهِ؛ فهَنيئًا للمُؤمِنينَ الذين إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلت قُلوبُهم، وإذا تُليت عليهم آياتُه زادَتهم إيمانًا، وعلى ربِّهم يَتوكَّلونَ.
ويُقالُ في سُجودِ التِّلاوةِ ما يُشرَعُ قولُه في سُجودِ الصَّلاةِ منَ التَّسبيحِ والدُّعاءِ.
وفي الحَديثِ: فَضلُ السُّجودِ للهِ، وأنَّه سَببٌ لدُخولِ الجَنَّةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ سُجودِ التِّلاوةِ لقارئ القرآنِ.