باب شهادة المرضعة
بطاقات دعوية
عن عقبة بن الحارث قال: تزوجت امرأة (وفى رواية: أم يحيى بنت أبي إهاب [بن عزيز 1/ 30] 3/ 153) , فجاءتنا امرأة (وفى راوية: أمة) سوداء، فقالت: [إني قد] أرضعتكما، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم (وفى رواية: فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتنى، ولا أخبرتنى، [فأرسل إلى آل أبي إهاب، يسألهم، فقالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا 3/ 148]، فركبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم بالمدينة)، فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: إنى قد أرضعتكما، وهي كاذبة، فأعرض عنه، فأتيته من قبل وجهه، قلت: إنها كاذبة، [وتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم 3/ 4]، قال: كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما (وفي رواية: كيف وقد قيل؟!). دعها عنك [أو نحوه]، وأشار إسماعيل بإصبعيه السبابة والوسطى يحكي أيوب (14) [ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره].
إرضاعُ المرأةِ طِفلًا غيرَ وَلَدِها تَترتَّبُ عليه أحكامٌ شَرعيَّةٌ؛ فإنَّه يَحرُمُ مِن الرَّضاعِ ما يَحرُمُ مِن النَّسبِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا عُقبةُ بنُ الحارثِ رَضيَ اللهُ عنه عن نفْسِه أنَّه تَزوَّجَ ابنةً لأبي إهابِ بنِ عَزِيزٍ، وكان اسمُها غَنِيَّةَ، وكُنيتُها أمَّ يَحْيى، فأتَتْه امرأةٌ مُرْضِعةٌ، فأخبَرَتْه أنَّها أرضَعَتْه هو والمرأةَ الَّتي تَزوَّجَ بها، أي: إنَّ المرأةَ الَّتي تَزوَّجَها هي أختُه مِن الرَّضاعةِ؛ لأنَّها أرضَعَتْهما الاثنينِ، فكان جَوابُ عُقبةَ رَضيَ اللهُ عنه: ما أعلَمُ أنَّكِ أرضَعْتِني، فاعتذَرَ بأنَّه لا عِلمَ له بذلك، أو أنكَرَ أنَّها أرضَعَتْه مِن الأصلِ كأنَّه اتَّهَمَها، وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ أنَّ عُقبةَ «أرْسَلَ إلى آلِ أبِي إِهابٍ يَسأَلُهم فقالوا: مَا عَلِمْناه أرْضَعَتْ صاحِبَتَنا»، فأنْكَروا هم أيضًا رَضاعةَ هذه المُدَّعِيةِ للزَّوجةِ، وللوقوفِ على الأمْرِ رَكِبَ عُقبةُ مِن مكَّةَ؛ لأنَّها كانت دارَ إقامتِه، فذهَبَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمدينةِ، فسَأَله، فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيف وقد قِيلَ؟ أي: كيف تُباشِرُها وقدْ قيل: إنَّها أختُك مِن الرَّضاعةِ؛ وذلك بَعيدٌ مِن ذي المُروءةِ والوَرَعِ، ففارَقَها اتِّقاءً للشُّبهاتِ، أو لفَسادِ النِّكاحِ؛ لأنَّ المرأةَ المُرضِعةَ أثبَتَت الرَّضاعَ، ونَفاهُ عُقبةُ، فاعتمَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَولَها، وأمَرَه بفِراقِ امرأتِه، ونكَحَتْ هي زَوجًا غيرَه.
وفي الحديثِ: اتِّقاءُ الشُّبهاتِ.
وفيه: أنَّ مَن لم يَعلَمِ الشَّيءَ فليس بحُجَّةٍ على مَن علِمَه.
وفيه: حِرصُ الصَّحابةِ على العِلمِ، وإيثارُ ما يُقرِّبُهم إلى اللهِ تعالَى.