باب وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال 5
بطاقات دعوية
وعنه قال: كنت يوم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - غلاما، أرعى الإبل على أهلي، فلما سمعنا بخروجه؛ فررنا إلى النار؛ إلى مسيلمة الكذاب.
بعَثَ اللهُ نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هِدايةً ورَحمةً للعالَمينَ، فأنقَذَ به العِبادَ مِن الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، وبدَّلَ حالَهم مِن مَهاوي الشِّركِ إلى أعْلى دَرَجاتِ الإيمانِ.
وهذا الحَديثُ يُجَلِّي ما كان عليه العَرَبُ قبْلَ الإسْلامِ مِن قِلَّةِ العَقلِ وفَسادِ الفِطْرةِ؛ فيُخبِرُ أبو رَجاءٍ العُطارِديُّ -وقدْ أسلَمَ زَمنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنَّه لم يَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّهم كانوا يَعبُدونَ الأصْنامَ مِن الحِجارةِ، وكلَّما وَجَدوا حَجرًا أفضَلَ ممَّا يَعبُدونَ، تَرَكوا الأوَّلَ وعَبَدوا الثَّانيَ، فإذا لم يَجِدوا حَجرًا يَعبُدونَه، جَمَعوا جُثْوةً مِن تُرابٍ، أي: كُومةً مِن تُرابٍ، ثمَّ جاؤوا بشاةٍ وحَلَبوها فوقَ ذلك التُّرابِ، ثمَّ يَطوفون بها ويَعبُدونَها.
وكانوا يُعَظِّمونَ شَهرَ رَجبٍ، وهو أحَدُ الأشهُرِ الحُرُمِ الَّتي يَحرُمُ القِتالُ فيها، فإذا دخَلَ قالوا: «مُنْصِلُ الأسِنَّةِ»، أي: مُخرِجُ النَّصْلَ، وهو الحَديدُ الَّذي يكونُ في الأسْلِحةِ والرِّماحِ، وكانوا يَنزِعونَ ذلك مِن الأسْلِحةِ إبْطالًا للقِتالِ وتَركًا للحَربِ؛ تَعْظيمًا لشَهرِ رجَبٍ.
ويَحْكي أبو رَجاءٍ أنَّه كان يومَ بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غُلامًا صَغيرًا يَرْعى إبِلَ أهْلِه، والمُرادُ بقَولِه: «يَومَ بُعِثَ»، أي: يومَ اشتَهَرَ أمْرُه عندَهم، فلمَّا عَلِموا بخُروجِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرُّوا إلى النَّارِ، وفسَّر ذلك بفِرارِهم إلى مُسَيْلِمةَ الكَذَّابِ، أي: إلى مَن تَكونُ نِهايةُ اتِّباعِه دُخولَ النَّارِ، فاتِّباعُ مُسَيْلِمةَ ودُخولُ النَّارِ أمرٌ واحِدٌ. ومُرادُه بخُروجِه: ظُهورُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قَومِه مِن قُرَيشٍ بفَتْحِ مكَّةَ، وليس المُرادُ مَبْدأَ ظُهورِه بالنُّبوَّةِ، ولا خُروجَه مِن مكَّةَ إلى المَدينةِ؛ لطُولِ المُدَّةِ بيْنَ ذلك وبيْنَ خُروجِ مُسَيْلِمةَ. ودلَّتِ القِصَّةُ على أنَّ أبا رَجاءٍ العُطارِديَّ كان قبْلَ إسْلامِه مِن جُملةِ مَن بايَعَ مُسَيْلِمةَ مِن قَومِه بَني عُطارِدِ بنِ عَوفِ بنِ كَعبٍ، وهمْ بَطنٌ مِن بَني تَميمٍ.