باب صدقة الغنم 1
سنن ابن ماجه
حدثنا بكر بن خلف، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سليمان بن كثير، حدثنا ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله
عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: أقرأني سالم كتابا كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات قبل أن يتوفاه الله، فوجدت فيه: "في أربعين شاة شاة، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان، إلى مئتين، فإن زادت (2) ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاث مئة، فإذا كثرت ففي كل مائة شاة"، ووجدت فيه: "لا يجمع بين مفترق (3)،ولا يفرق بين مجتمع" ووجدت فيه: "لا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار" (1).
الزَّكاةُ ركنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، وهي حقُّ الله في المالِ، يُخرَجُ للفُقراءِ مِن أموالِ الأغنياءِ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شُروطَها وأصنافَها، وما يَجِبُ في كلِّ صِنفٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِر ابنُ شِهابٍ الزُّهريُّ عن كتابٍ كان عِندَ سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهم، وكان مَحفوظًا عند والِدِه عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، فيقولُ الزُّهريُّ: "أقرَأَني سالِمٌ كِتابًا كتَبَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الصَّدقاتِ"، أي: في بيانِ الزَّكواتِ وأنصِبَتِها وما يَجِبُ فيها، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قد كتبَه، أي: أمَر بكِتابَتِه "قبلَ أن يتَوفَّاه اللهُ عزَّ وجلَّ.
قال الزُّهريُّ: فوَجَدتُ فيه: في أربَعينَ شاةً شاةٌ"، ولفظُ الشَّاةِ يقَعُ على الذَّكَرِ والأُنثى من الغَنمِ، ولأنَّ الشَّاةَ إذا أُمِر بها مُطلَقًا، أجزَأ فيها الذَّكَرُ، أي: تُخرَجُ زكاةُ الغنَمِ، فيُخرِجُ صاحِبُ الغنَمِ شاةً واحدةً عن كلِّ أربَعين رأسًا، وهكذا إلى أن يَبلُغَ العددُ "إلى عِشْرينَ ومِئةٍ فإذا زادَتْ واحدةً، ففيها شاتانِ"، أي: إنْ بلَغ عددُ رُؤوسِ الغنَمِ مِئةً وواحدًا وعِشْرين أخرَج صاحبُ الغنَمِ منها شاتَين، "إلى مِئتَين، فإن زادَت واحدةً ففيها ثلاثُ شِيَاهٍ"، أي: إنْ بلَغ العدَدُ مِئتَين وواحِدةً أخرَج صاحبُ الغنَمِ منها ثَلاثَ شِياهٍ، "إلى ثلاثِ مِئةٍ، فإذا كَثُرَت ففي كلِّ مِئةٍ شاةٌ"، أي: وإن زادَ العددُ عن ثلاثِ مِئةٍ، فيَستأنِفُ العددَ ويُخرِجُ عن كلِّ مِئةٍ رأسًا واحدةً زكاةً.
ثمَّ قال:"ووَجَدتُ فيه: لا يُجمَعُ بينَ مُتفرِّقٍ، ولا يُفرَّقُ بينَ مُجتمِعٍ"، أي: لا يَجمَعُ فيه المصدِّقُ وجامِعُ الزَّكاةِ بينَ ما تَفرَّق مِن الشِّياهِ؛ حتَّى يأخُذَ مِنها زكاةً إذا كانتْ غيرَ مَملوكةٍ لواحدٍ أو لِمُتشارِكَين، وكذلك لا يُفرِّق أصحابُ الغنَمِ بينَ المجتمِعِ والمتشارَكِ فيه؛ حتَّى يُقلِّلَ عدَدَ الرُّؤوس معَ كلِّ واحدٍ ولا تَخرُجَ مِنه زكاةٌ. "ووجَدتُ فيه: لا يُؤخَذُ في الصَّدقةِ تَيسٌ"، وهو فَحلُ الغنَمِ المعَدُّ لضِرابِها؛ وذلك لحاجةِ الغنَمِ إلى التَّيسِ في التَّلقيحِ والإخصابِ، وقيل: لِفَسادِ لَحمِه وهُزالِه، "ولا هَرِمةٌ ولا ذاتُ عَوَارٍ"، أي: لا يُؤخذانِ في الصَّدقةِ لأنَّهما مَعيبَتانِ؛ فالهَرِمةُ كبيرةُ السِّنِّ، تكونُ هَزيلةً قليلةَ اللَّحمِ ولا خيرَ فيها، والعَوْراءُ مَعيبةٌ بعَوارِها، وقد قال اللهُ تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، وقد أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعدَمِ ظُلمِ أصحابِ الغنَمِ، وعدَمِ غَبْنِ الفُقراءِ الَّذين سيَأخُذون الزَّكاةَ، فأمَر بأن تُؤخَذَ مِن أوساطِ الغنَمِ، وأن يتَصالَحَ جامِعُو الصَّدَقاتِ وأصحابُ الحيَواناتِ على ما فيه مَصلَحةٌ للطَّرَفين .