باب صفة الجنة3
سنن ابن ماجه
حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الجنة مئة درجة، كل درجة منها ما بين السماء والأرض، وإن أعلاها الفردوس، وإن أوسطها الفردوس، وإن العرش على الفردوس، منها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس" (1)
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن الجنَّةِ وما فيها مِن دَرَجاتٍ ومَنازِلَ عاليةٍ، ونَعيمٍ مُقيمٍ؛ فيقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "في الجنَّةِ مِئةُ درَجةٍ"، والدَّرجةُ هي المنزِلةُ والمكانةُ العاليةُ، وقيل: يَعْني بالعدَدِ مِئةٍ أنَّه يُفيدُ كَثْرتَها، "ما بينَ كلِّ درَجَتَينِ"، أي: المسافةُ الَّتي تكونُ بينَ الدَّرَجتَين، ومِقْدارُ ارتِفاعِ كلِّ درَجةٍ عَن الأخرى "كما بيْنَ السَّماءِ والأرضِ"، أي: تكونُ مِثلَ المسافةِ بينَ السَّماءِ والأرضِ في البُعدِ، وهذه الدَّرَجاتُ بحسَبِ إيمانِ الإنسانِ وأعمالِه الصَّالحةِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "والفِرْدَوسُ"-وهو البستانُ يكونُ فيه الشَّجَرُ والزُّهورُ والنَّباتاتُ- وهو اسمٌ لأعْلَى الجَنَّةِ، "أَعْلاها درَجةً"، أي: أفضَلُ وأعلى منزلةٍ في الجنَّةِ، وفي الفردوسِ مَنازِلُ الأنبياءِ، "ومنها"، أي: مِن الفِرْدَوسِ "تَفَجَّرُ"، أي: تَخرُجُ "أنهارُ الجنَّةِ الأربعةُ"، المذكورةُ في قولِه تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، أي: يَكونُ هذا الماءُ صافيًا لا يتَكدَّرُ، ولا يكونُ فيه قذَرٌ، {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}، أي: لا يَكونُ حامِضًا بطولِ الْمُقامِ، كما تتغَيَّرُ الألبانُ في الدُّنيا، بل يكونُ في مُنتَهى البياضِ، مَذاقُه طيِّبٌ، {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}، أي: ليسَت كريهةَ الرَّائحةِ والطَّعمِ، بل هي طيِّبةُ الطَّعمِ والرَّائحةِ، ولا تَسلِبُ العقولَ كما هي الحالُ في خمرِ الدُّنيا، {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15]، أي: عسَلٍ يكونُ صافيًا مِن الشَّمعِ، "ومِن فَوقِها يكونُ"، أي: يكونُ أعلى الفِرْدَوسِ "العَرشُ"، أي: عرشُ الرَّحمنِ يَكونُ سَقفًا لها، "فإذا سَألتُم اللهَ"، أي: إذا دَعَوتُم اللهَ أن يُدخِلَكم في جَنَّتِه "فاسْأَلوه"، أي: فادْعُوه أن يُدخِلَكم "الفِرْدوسَ"؛ لِما لها مِن فَضلٍ ومكانةٍ عاليةٍ في الجنَّةِ.
وفي الحديثِ: تَفاوُتُ أهلِ الجنَّةِ في مَنازِلِهم.
وفيه: الحَثُّ على سُؤالِ اللهِ الفِردوسَ الأعْلَى مِنَ الجَنَّةِ.