باب العزلة5
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، حدثنا سعيد بن عامر، حدثنا أبو عامر الخزاز، عن حميد بن هلال، عن عبد الرحمن بن قرط
عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تكون فتن، على أبوابها دعاة إلى النار، فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة، خير لك من أن تتبع أحدا منهم" (1)
حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أصحابَه رَضِي اللهُ عَنهم وأُمَّتَه من الفِتَنِ وشُرورِ الأزمِنةِ، وهذا المتنُ جزءٌ مِن حديثٍ طويلٍ ففي الصَّحيحِ يقولُ حُذيفةُ رَضِي اللهُ عَنه: "كان النَّاسُ يَسأَلون رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عَن الخيرِ، وكُنتُ أسأَلُه عن الشَّرِّ؛ مَخافةَ أن يُدرِكَني، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا في جاهليَّةٍ وشرٍّ، فجاءَنا اللهُ بهذا الخيرِ، فهل بعدَ هذا الخيرِ مِن شرٍّ؟ قال: «نعَم»، قلتُ: وهل بعدَ ذلك الشَّرِّ مِن خَيرٍ؟ قال: «نعَم، وفيه دخَنٌ»، قلتُ: وما دخَنُه؟ قال: «قومٌ يَهْدُون بغيرِ هَدْيي، تَعرِفُ مِنهم وتُنكِرُ»، قلتُ: فهل بعدَ ذلك الخيرِ مِن شرٍّ؟ قال: «نعَم، دُعاةٌ على أبوابِ جَهنَّمَ»". وفي روايةِ ابنِ ماجَهْ: "تَكونُ فِتَنٌ"، أي: سيَظهَرُ آخِرَ الزَّمانِ فِتنٌ بينَ المسلِمين، "على أبوابِها دُعاةٌ إلى النَّارِ"، أي: أقوامٌ يَدْعون النَّاسَ إلى أمورٍ مِن الفتنِ يَكونُ مَصيرُها إلى النَّارِ، كاستِباحةِ دِماءِ المسلِمين وأعراضِهم، "فأَنْ تَموتَ وأنتَ عاضٌّ على جِذْلِ شجَرةٍ خيرٌ لك مِن أن تتَّبِعَ أحدًا مِنهم"، وهذا كِنايةٌ عن الاعتِزالِ وتَرْكِ أمْرِ الدُّنيا، وخاصَّةً تَرْكُ مِثلِ تلك الفِتَنِ حتَّى يأتِيَه الموتُ وهو على ذلك، وجِذْلُ الشَّجرةِ: أصلُها.
وفي الحديثِ: بيانُ مُعجِزةٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حيث وقَعَت الفِتَنُ كما أخبَر.
وفيه: بيانُ أسبابِ النَّجاةِ مِن الفتنِ؛ باتِّباعِ الإمامِ، ولزومِ الجماعةِ أو بالقُعودِ في البيوتِ، وعدَمِ الخروجِ في الفِتَنِ.