باب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم23
سنن الترمذى
حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، بمكة قال: حدثنا ابن أبي عدي قال: حدثنا حميد، عن أنس، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنإ حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم»: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه»
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم يَحرِصون كلَّ الحِرْصِ على الفوزِ بالأجرِ والظَّفَرِ بالثَّوابِ الأخرويِّ، وكثيرًا ما كانوا يَأتون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فيَسْألون عن مَفاتيحِ الفوزِ بالصَّالحاتِ وأبوابِ الظَّفَرِ بالحسَناتِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه "لَمَّا قَدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المدينةَ أتاه المهاجِرون، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما رأَيْنا قومًا أبذَلَ مِن كثيرٍ"، أي: ما رأَينا قومًا أغنِياءَ أكثرَ إنفاقًا وإعطاءً للمالِ، "ولا أحسَنَ مُواساةً مِن قليلٍ"، أي: ولا رأَيْنا قومًا فُقراءَ أفضلَ مُواساةً لِفُقراءَ مِثلِهم، "مِن قومٍ نزَلْنا بينَ أظهُرِهم"، أي: مِن الأنصارِ الَّذين نزَلْنا في دِيارِهم وسكَنَّا وطَنَهم؛ "لقد كفَوْنا المُؤْنةَ"، أي: لقد تحَمَّلوا عنَّا العملَ والمشقَّةَ، "وأشرَكونا في المهنَأِ"، أي: وأشرَكونا في الخيرِ والنَّعيمِ والهناءَةِ، "حتَّى خِفْنا أن يَذهَبوا بالأجرِ كلِّه"، أي: حتَّى أشفَقْنا على أنفُسِنا مِن ذَهابِ الأجرِ كلِّه لهم؛ فقد أجزَلوا لنا العَطاءَ، وأحسَنوا لنا الْمواساةَ فكانوا خيرَ قومٍ.
فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا"، أي: لا تَخافوا مِن فَواتِ الأجرِ ولُحوقِ الخيرِ والثَّوابِ، "ما دعَوْتم اللهَ لهم"، أي: شَريطةَ أن تَظَلُّوا تَدْعون لهم بالجَزاءِ الحسَنِ والخيرِ والبرَكةِ، "وأثنَيتُم بالأجرِ عليهم"، أي: وشَكَرتُم لهم فِعلَهم معَكم، وقيل: المعنى أنَّ المهاجرين استَكْثَروا فِعْلَ الأنصارِ معَهم وأرادوا أن يُجازوهم ويُكافِئوهم، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: إذا أرَدتُم أنْ تُكافِئُوهم فادْعُوا لهم بالخيرِ والبَركةِ، واشكُروا لهم وأثنُوا عليهم؛ فإنَّ دُعاءَكُم يَقومُ بِحَسَناتِهم إلَيكُم، وثَوابَ حَسَناتِكم راجِعٌ علَيكم.
وفي الحَديثِ: بيانُ فَضلِ الأنصارِ وعَظيمِ مَنزِلَتِهم ومَكانتِهم.
وفيه: بيانُ حِرصِ المهاجِرين على مُكافَأةِ الأنصارِ ورَدِّ المعروفِ إليهم.
وفيه: الحثُّ على الدُّعاءِ بالخيرِ والبرَكةِ، والثَّناءِ والشُّكرِ لأصحابِ المعروفِ والإحسانِ.