باب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم25-2
سنن الترمذى
حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال»: «هذا حديث حسن»
توَعَّد اللهُ تعالى المتكبِّرين الَّذين يتَكبَّرون على عِبادةِ اللهِ تعالى، وعلى خلْقِ اللهِ بأشَدِّ أنواعِ العذابِ يومَ القيامةِ؛ فالكِبْرُ صِفةٌ مذمومةٌ، ذمَّها اللهُ سبحانه وتعالى في كِتابِه، وحذَّرَنا منها رسولُنا صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، كما يقولُ في هذا الحديثِ: "يُحشَرُ المتكبِّرون"، أي: يَحشُرُ اللهُ سبحانه وتعالى أو يأمُرُ الملائكةَ أن تَحشُرَ المُتكبِّرين الَّذين يتَكبَّرون على عِبادةِ اللهِ تعالى، وعلى خَلْقِ اللهِ تعالى، والكِبرُ: إنكارُ الحقِّ وتَحقيرُ النَّاسِ، "يومَ القيامةِ"، أي: يَحشُرُهم يَومَ القيامةِ في أرضِ المَحشَرِ، وهُم "أمثالُ"، أي: مِثلُ وفي حَجْمِ، "الذَّرِّ"، أي: النَّملِ الصَّغيرِ، وقيل: إنَّ مِئةَ نَملةً مِنها وَزنُ حبَّةٍ، وقيل: الذَّرَّةُ يُرادُ بها ما يُرى مِن هباءٍ وغُبارٍ في شُعاعِ الشَّمسِ الدَّاخِلِ في النَّافذةِ، في "صُورِ الرِّجالِ"، أي: على صُورِ الرِّجالِ في هيئَتِهم، ولكنَّ حَجْمَهم حَجمُ النَّملِ في الصِّغَرِ والحقارةِ، "يَغْشاهم"، أي: يأتيهم ويَنالُهم، "الذُّلُّ"، أي: المهانةُ، "مِن كلِّ مكانٍ" ومِن كلِّ جانبٍ بأنْ يطَأَهم الخلائقُ ويَدوسوا عليهم بأرجُلِهم؛ وذلك الجَزاءُ مِن جِنسِ عَملِهم؛ فإنَّهم لَمَّا تَكبَّروا وأرادوا العِزَّةَ والعُلوَّ بغيرِ الحقِّ، أذلَّهم اللهُ تعالى وصَغَّرَ وحَقَّرَ شأنَهم؛ فعُومِلُوا بنقيض قَصدِهم جَزاءً وفاقًا.
ثمَّ "يُساقون" ويُسحَبون ويُجَرُّون، أي: تَسوقُهم الملائكةُ بأمرِ ربِّها إلى "سِجْنٍ"، وهو المكانُ المُظلِمُ الضَّيِّقُ المُعَدُّ للحبسِ "في جَهنَّمَ"، أعَدَّه اللهُ تعالى للمُتكبِّرين، "يُسمَّى" هذا السِّجنُ باسمِ "بَولَسَ"- بفتحِ الباءِ وقيل: بضَمِّها، وسكونِ الواو وفتحِ اللَّامِ- قيل: هو مِن (الإبلاسِ)، بمعنى: اليأسِ، ولعلَّ هذا السِّجنَ إنَّما سُمِّي به؛ لأنَّ الدَّاخِلَ فيه يائسٌ مِن الخَلاصِ عمَّا قريبٍ، "تَعْلوهُم"، أي: تأتي مِن فوقِهم، وتَغْشاهم وتُحيطُ بهم "نارُ الأنيارِ"، جمعُ نارٍ، وأُضيفَ إليها لفظُ نارٍ؛ للمُبالَغةِ في الإحراقِ وشِدَّةِ الحرِّ، وقيل: إنَّها أصلُ نيرانِ العالَمِ، "يُسقَون" بصيغةِ المجهولِ، أي: تَسْقيهم الملائكةُ مِن خزَنةِ جَهنَّمَ بأمرِ ربِّها، "مِن عُصارةِ أهلِ النَّارِ"، وهو ما يَسيلُ مِن دَمٍ وقيحٍ وصديدٍ مِن أهلِ النَّارِ، ونَتنِهم، وهذه العُصارةُ تُسمَّى "طِينةَ الخَبالِ"، أي: الفسادَ الَّذي يَفسُدُ به البدَنُ.
وفي الحديثِ: ذَمُّ الكِبْرِ والمتكبِّرين، وبيانُ سُوءِ عاقِبَتِهم.
وفيه: تَعدُّدُ أنواعِ العَذابِ في النَّارِ، أعاذَنا اللهُ منها.