باب صلاة التسبيح
حدثنا محمد بن سفيان الأبلى حدثنا حبان بن هلال أبو حبيب حدثنا مهدى بن ميمون حدثنا عمرو بن مالك عن أبى الجوزاء قال حدثنى رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو قال قال النبى -صلى الله عليه وسلم- « ائتنى غدا أحبوك وأثيبك وأعطيك ». حتى ظننت أنه يعطينى عطية قال « إذا زال النهار فقم فصل أربع ركعات ». فذكر نحوه قال « ترفع رأسك - يعنى من السجدة الثانية - فاستو جالسا ولا تقم حتى تسبح عشرا وتحمد عشرا وتكبر عشرا وتهلل عشرا ثم تصنع ذلك فى الأربع ركعات ». قال « فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنبا غفر لك بذلك ». قلت فإن لم أستطع أن أصليها تلك الساعة قال « صلها من الليل والنهار ». قال أبو داود حبان بن هلال خال هلال الرائى.
قال أبو داود رواه المستمر بن الريان عن أبى الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفا ورواه روح بن المسيب وجعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النكرى عن أبى الجوزاء عن ابن عباس قوله وقال فى حديث روح فقال حديث النبى -صلى الله عليه وسلم-.
( يا عماه ) : إشارة إلى مزيد استحقاقه وهو منادى مضاف إلى ياء المتكلم فقلبت ياؤه ألفا وألحقت بهاء السكت كيا غلاماه ( ألا أمنحك ) : أي ألا أعطيك منحة . قال في المغرب : المنح أن يعطي الرجل الرجل شاة أو ناقة ليشرب لبنها ثم يردها إذا ذهب درها هذا أصله ثم كثر استعماله حتى قيل في كل عطاء ( ألا أحبوك ) : يقال حباه كذا وبكذا إذا أعطاه ، والحباء العطية . كذا في النهاية وهو قريب المعنى . وكرر ألفاظا متقاربة المعنى تقريرا للتأكيد قال السيوطي : وأفرط ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في كتاب الموضوعات وأعله بموسى بن عبد العزيز قال إنه مجهول
قال الحافظ أبو الفضل بن حجر في كتاب الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة أساء ابن الجوزي بذكر هذا الحديث في الموضوعات . وقوله إن موسى بن عبد العزيز مجهول لم يصب فيه فإن ابن معين والنسائي وثقاه . وقال في أمالي الأذكار : هذا الحديث أخرجه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه البيهقي وغيرهم وقال ابن شاهين في الترغيب سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول سمعت أبي يقول أصح حديث في صلاة التسبيح هذا قال وموسى بن عبد العزيز وثقه ابن معين والنسائي وابن حبان وروى عنه خلق وأخرجه البخاري في جزء القراءة هذا الحديث بعينه وأخرج له في الأدب حديثا في سماع الرعد
وببعض هذه الأمور ترتفع الجهالة . وممن صحح هذا الحديث أو حسنه غير من تقدم ابن منده وألف في تصحيحه كتابا والآجري والخطيب وأبو سعد السمعاني وأبو موسى المديني وأبو الحسن بن المفضل والمنذري وابن الصلاح والنووي في تهذيب الأسماء وآخرون . وقال الديلمي في مسند الفردوس : صلاة التسبيح أشهر الصلوات وأصحها إسنادا . وروى البيهقي وغيره عن أبي حامد الشرفي قال كنت عند مسلم بن الحجاج ومعنا هذا الحديث فسمعت مسلما يقول لا يروى فيها إسناد أحسن من هذا وقال الترمذي : قد رأى ابن المبارك وغيره من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيها وقال البيهقي : كان عبد الله بن المبارك يصليها وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض ، وفيه تقوية للحديث المرفوع ولحديث ابن عباس هذا طرق فتابع موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان إبراهيم بن الحكم ، ومن طريقه أخرجه ابن راهويه وابن خزيمة والحاكم وتابع عكرمة عن ابن عباس عطاء وأبو الجوزاء ومجاهد
وورد حديث صلاة التسبيح أيضا من حديث العباس بن عبد المطلب وابنه الفضل وأبي رافع وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله وأم سلمة والأنصاري الذي أخرج المؤلف حديثه وسيجيء . وقال الزركشي : غلط ابن الجوزي بلا شك في جعله من الموضوعات ; لأنه رواه من ثلاثة طرق أحدها : حديث ابن عباس وهو صحيح وليس بضعيف فضلا عن أن يكون موضوعا وغاية ما علله بموسى بن عبد العزيز فقال مجهول وليس كذلك ، فقد روى عنه بشر بن الحكم وابنه عبد الرحمن وإسحاق بن أبي إسرائيل وزيد بن المبارك الصنعاني وغيرهم . وقال فيه ابن معين والنسائي ليس به بأس ولو ثبتت جهالته لم يلزم أن يكون الحديث موضوعا ، ما لم يكن في إسناده من يتهم بالوضع والطريقان الآخران في كل منهما ضعيف ولا يلزم من ضعفهما أن يكون حديثهما موضوعا انتهى
( عشر خصال ) : بالنصب على أنه مفعول للأفعال المتقدمة على سبيل التنازع قال التوربشتي : الخصلة هي الخلة ، أي عشرة أنواع ذنوبك ، والخصال العشر منحصرة في قوله " أوله وآخره " ، وقد زادها إيضاحا بقوله عشر خصال بعد حصر هذه الأقسام أي هذه عشر خصال . وقال ميرك : فالخصال العشر هي الأقسام العشر من الذنوب . وقال بعضهم المراد بالعشر الخصال التسبيحات والتحميدات والتهليلات والتكبيرات فإنها سوى القيام عشر عشر انتهى ( أوله وآخره ) : بالنصب قال التوربشتي أي مبدأه ومنتهاه وذلك أن من الذنب ما لا يواقعه الإنسان دفعة واحدة وإنما يتأتى منه شيئا فشيئا ويحتمل أن يكون معناه ما تقدم من ذنبه وما تأخر ( سره وعلانيته ) : والضمير في هذه كلها عائد إلى قوله ذنبك وفي شرح العلامة الأردبيلي هاهنا بحث شريف ( أن تصلي ) : أن مفسرة لأن التعليم في معنى القول أو هي خبر مبتدأ محذوف والمقدر عائد إلى ذلك أي هو يعني المأمور به أن تصلي ( في أول ركعة ) : أي قبل الركوع ( خمس عشرة مرة ) : وفيه أن التسبيح بعد القراءة وبه أخذ أكثر الأئمة ، وأما ما كان عبد الله بن المبارك يفعله من جعله خمس عشرة قبل القراءة وبعد القراءة عشرا ولا يسبح في الاعتدال فهو مخالف لهذا الحديث ، ووافقه النووي في الأذكار فجعل قبل الفاتحة عشرا لكنه أسقط في مقابلتها ما يقال في جلسة الاستراحة . وقال بعضهم وفي رواية عن ابن المبارك أنه كان يقول عشرين في السجدة الثانية . قال القاري وهذا ورد في أثر بخلاف ما قبل القراءة ( ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا ) : أي بعد تسبيح الركوع فتقولها عشرا أي بعد التسميع والتحميد ( وأنت ساجد عشرا ) : أي بعد تسبيح السجود ( ثم تسجد ) : أي ثانيا ( ثم ترفع رأسك ) : أي من السجدة الثانية ( فتقولها عشرا ) : أي قبل أن تقوم على ما في الحصن . قال القاري : وهو يحتمل جلسة الاستراحة وجلسة التشهد انتهى
قلت : الحديث الثاني فيه تصريح بأنه جلسة الاستراحة لا غيرها ( فذلك ) : أي مجموع ما ذكر من التسبيحات ( خمس وسبعون ) : مرة ( في أربع ركعات ) : أي في مجموعها بلا مخالفة بين الأولى والثلاث فتصير ثلاث مائة تسبيحة
وقال عبد الله بن المبارك : ويبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم ثلاثا وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثا ثم يسبح التسبيحات المذكورة . وقيل له إن سها في هذه الصلاة هل يسبح في سجدتي السهو عشرا عشرا ، قال : لا إنما هي ثلاث مائة تسبيحة . وذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال إن صلاها ليلا فأحب إلي أن يسلم من كل ركعتين وإن صلاها نهارا فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم غير أن التسبيح الذي يقوله بعد الفراغ من السجدة الثانية يؤدي إلى جلسة الاستراحة . وكان عبد الله بن المبارك يسبح قبل القراءة خمس عشرة مرة ثم بعد القراءة عشرا ، والباقي كما في الحديث ولا يسبح بعد الرفع من السجدتين قاله الترمذي . كذا في المرقاة
قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه . ( يرون ) : بصيغة المجهول أي يظنون ( وأثيبك ) : أي أعطيك . يقال أثابه الله إثابة جازاه وأثاب الله الرجل مثوبته أعطاه إياها ( قال ) : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أتيته غدا ( إذا زال النهار ) : أي زالت الشمس ( فاستو جالسا ولا تقم حتى تسبح ) : وهذا تصريح في إثبات التسبيحات والتكبيرات والتحميدات والتهليلات في جلسة الاستراحة . قال السيوطي في اللآلئ : قال المنذري : رواة هذا الحديث ثقات . وقال الحافظ ابن حجر : لكن اختلف فيه على أبي الجوزاء فقيل عنه عن عبد الله بن عباس ، وقيل عنه عن عبد الله بن عمرو ، وقيل عنه عن عبد الله بن عمر مع الاختلاف عليه في رفعه ووقفه . وقد أكثر الدارقطني من تخريج طرقه على اختلافها انتهى . والحديث سكت عنه المنذري ( المستمر بن الريان ) : قال علي بن سعيد عن أحمد بن حنبل إسناد حديث أبي الجوزاء ضعيف كل يروي عن عمرو بن مالك النكري وفيه مقال ، قلت له قد رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء قال من حدثك ؟ قلت : مسلم بن إبراهيم ، فقال المستمر شيخ ثقة وكأنه أعجبه قال الحافظ ابن حجر : فكأن أحمد لم يبلغه إلا من رواية عمرو بن مالك فلما بلغه متابعة المستمر أعجبه فظاهره أنه رجع عن تضعيفه
كذا في اللآلئ ( عن ابن عباس قوله ) : موقوفا عليه ( وقال ) : الراوي ( في حديث روح ) : هذه الجملة التالية ( فقال ) : أي ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ( حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) : أي هذا حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي مرفوعا ولا أقول لكم من قبل نفسي ، وفي بعض النسخ حدثت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصيغة المتكلم قال الحافظ ابن حجر في أمالي الأذكار : ورواية روح وصلها الدارقطني في كتاب صلاة التسبيح من طريق يحيى بن يحيى النيسابوري عنه وأخرجه الطبراني في الأوسط عن إبراهيم بن محمد الصنعاني عن أبي الوليد هشام بن إبراهيم المخزومي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عبد القدوس بن حبيب عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا . وعبد القدوس شديد الضعف كذا في اللآلئ
( حدثني الأنصاري ) : قال الحافظ في أمالي الأذكار ، والأنصاري غير مسمى قال المزي قيل إنه جابر بن عبد الله وأن ابن عساكر أخرج في ترجمة عروة بن رويم أحاديث عن جابر وهو الأنصاري فجوز أن يكون هو الذي هاهنا ، لكن تلك الأحاديث من رواية غير محمد بن مهاجر عن عروة قال : وقد وجدت في ترجمة عروة هذا من الشاميين للطبراني حديثين أخرجهما من طريق أبي توبة الربيع بن نافع بهذا السند بعينه فقال فيهما حدثني أبو كبشة الأنماري فلعل الميم كبرت قليلا فأشبهت الصاد فإن يكن كذلك فصحابي ، هذا حديث أبي كبشة ، وعلى التقديرين فسند هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن فكيف إذا ضم إلى رواية أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمر وكذا في اللآلئ . هذا ملخص من غاية المقصود
قال المنذري : وقد أخرج حديث صلاة التسبيح الترمذي وابن ماجه من حديث أبي رافع مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وقال الترمذي : هذا حديث غريب من حديث أبي رافع ، وقال أيضا وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غير حديث في صلاة التسبيح ولا يصح منه كبير شيء
وقال أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي الحافظ : ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت هذا آخر كلامه وقد وقع لنا حديث صلاة التسبيح من حديث العباس بن عبد المطلب وأنس بن مالك وغيرهما وفي كليهما مقال . وأمثل الأحاديث فيها حديث عكرمة عن ابن عباس الذي ذكرناه أول هذا الباب ، فإن أبا داود وابن ماجه أخرجاه عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي النيسابوري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه في صحيحيهما عن موسى بن عبد العزيز وهو أبو سعيد العدني القنباري ، روى عنه عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ومحمد بن الحكم بن أسد الخشني وقال يحيى بن معين لا أرى بأسا عن الحكم بن أبان وقد وثقه يحيى بن معين أحد العباد ، وعكرمة مولى ابن عباس وإن كان قد تكلم فيه جماعة فقد وثقه جماعة واحتج به البخاري في صحيحه انتهى كلامه
وفي التلخيص والحق أن طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقا صالحا فلا يحتمل منه هذا التفرد ، وقد ضعفها ابن تيمية والمزي وتوقف الذهبي حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه انتهى