باب صلاة المسافر
حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا حدثنا يحيى عن ابن جريج ح وحدثنا خشيش - يعنى ابن أصرم - حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال حدثنى عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب أرأيت إقصار الناس الصلاة وإنما قال تعالى (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد ذهب ذلك اليوم. فقال عجبت مما عجبت منه فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال « صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ».
السفر قطعة من العذاب، وهو مظنة التعب والمشقة؛ لذلك خفف الله سبحانه وتعالى عن المسافر، ويسر عليه في الأحكام الشرعية، وخاصة في الصلاة والصيام
وفي هذا الحديث يروي يعلى بن أمية رضي الله عنه أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قول الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101]؛ والمعنى: إذا سافرتم في الأرض فليس عليكم إثم في قصر الصلاة الرباعية (الظهر والعصر والعشاء) من أربع ركعات إلى ركعتين، إن خفتم أن يلحقكم مكروه من الكافرين
«وقد أمن الناس» الآن، وذهب خوفهم الذي كان سببا لمشروعية قصر الصلاة، فما بالهم يقصرون؟ أو فما وجه القصر مع زوال السبب؟ فأخبره عمر رضي الله عنه أنه وقع في نفسه مثل ما وقع ليعلى بن أمية، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصر الصلاة مع زوال السبب، وهو الخوف من العدو، وحصول الأمن، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن قصر الصلاة فضل تفضل الله تعالى به على أمة الإسلام، وأكرمهم به، فهو صدقة تصدق الله بها عليهم؛ توسعة ورحمة، «فاقبلوا صدقته»، أي: سواء حصل الخوف أم لم يحصل، فثبت القصر في الأمن أيضا، فقوله تعالى: {أن يفتنكم الذين كفروا} خرج مخرج الأغلب؛ لكون أغلب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم تخل من خوف؛ لكثرة أهل الحرب إذ ذاك
ودل ذلك على أن القصر شرع في السفر رفقا بالعباد، وتخفيفا عنهم، وأنه ليس بمعنى الحتم، ولا إلزام فيه للمسافر؛ فقد أجمعت الأمة أنه لا يلزم المتصدق عليه قبول الصدقة
وفي الحديث: قصر الصلاة في السفر مع الخوف أو بغيره
وفيه: بيان رحمة الله تعالى، وكمال فضله على عباده، حيث شرع للمسلمين قصر الصلاة في حال السفر للمشقة اللاحقة بهم