باب صيام يوم عاشوراء 2
سنن ابن ماجه
حدثنا سهل بن أبي سهل، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب، عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس، قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوجد اليهود صياما، فقال: "ما هذا؟ " قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى، وأغرق فيه فرعون، فصام موسى شكرا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحق بموسى منكم" فصامه، وأمر بصيامه (1).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأمُرُ أصحابَهُ بِصَومِ يومِ عاشوراءَ قَبْلَ أنْ يُفرَضَ صِيامُ رَمَضانَ لفَضْلِ ذلك اليومِ، فلمَّا فُرِضَ صِيامُ رَمضانَ تَرَكَ أمْرَهم بِصيامِه، ولكنَّه صارَ تَطوُّعًا لمَن أراد.
وفي هذا الحَديثِ يَروي عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هاجَرَ إلى المَدِينةِ مِن مكَّةَ، وفي العامِ التَّالي وَجَدَ يَهُودَ المدينةِ يَصُومُون يَومَ عاشُورَاءَ، وهو يومُ العاشرِ مِن شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ، فسَأَلَهم عن سَببِ ذلك، فذَكَروا أنَّ هذا يَومٌ صالِحٌ وَقَعَ فيه خَيرٌ وصَلاحٌ، حيثُ نَجَّى اللهُ فيه بَنِي إسْرائِيلَ مِن عَدُوِّهِم فِرْعونَ بإغراقِه وجُنودِه في البحْرِ، فَصامَه نَبيُّ اللهِ مُوسَى عليه السَّلامُ، فلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، أخبَرَ أنَّه أحَقُّ بمُوسَى مِنهم، حيثُ إنَّهما أخَوانِ في النُّبوَّةِ، ولأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أطوَعُ وأتْبَعُ للحقِّ منهم، فهو أحَقُّ أنْ يَشكُرَ اللهَ تعالَى على نَجاةِ مُوسى عليه السَّلامُ، ولذلك صامَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَمَرَ المسلِمينَ بصِيَامِه؛ لأنَّنا -نَحنُ المسلِمينَ- أوْلَى بِحبِّ مُوسى عليه السَّلامُ ومُوافقَتِه مِنَ اليهودِ، حيثُ إنَّهم بَدَّلوا شَريعتَه وحَرَّفوها، ونحنُ أتْباعُ الإسلامِ الَّذي هو دِينُ كلِّ الأنبياءِ، وقدْ روَى ابنُ عبَّاسٍ أيضًا أنَّ السُّنَّةَ أنْ يَصومَ المُسلِمُ اليومَ التَّاسعَ معه؛ مُخالفةً لليهودِ، كما في صَحيحِ مُسلِمٍ، وقدْ ثبَت في صَحيحِ مُسلِمٍ مِن حَديثِ أبي قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ صِيامَه يُكفِّرُ ذُنوبَ السَّنَةَ التي قَبْلَه.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ شُكرِ اللهِ تعالَى بالصَّومِ لمَن حَصَلَ له خَيرٌ مِن تَفريجِ كُرَبٍ، أو تَيسيرِ أمْرٍ.