باب طاعة الإمام3
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، عن شعبة، عن يحيى بن الحصين عن جدته أم الحصين، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أمر عليكم عبد حبشي مجدع، فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله"
أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطاعةِ وُلاةِ الأُمورِ؛ لِمَا في الخُروجِ عليهم مِن المَفاسِدِ الكَبيرةِ، وحَذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن شَقِّ عَصا الطَّاعةِ، ومُفارَقةِ الجَماعةِ.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أُمُّ الحُصَينِ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها حَجَّتْ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَجَّةَ الوَداعِ في السَّنةِ العاشِرةِ منَ الهِجرةِ، فرَأَتْه حينَ رَمى جَمْرةَ العَقَبةِ يومَ النَّحرِ، وانصرَفَ وهوَ على راحِلَتِه، ومعَه بِلالُ بنُ رَباحٍ، أو أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنهما، أحدُهما يَقودُ به راحلَتَه، ويَأخُذُ بخِطامِها، والخِطامُ: هو الحَبلُ المَربوطُ في أنْفِها، والآخَرُ رافعٌ ثَوبَه عَلى رَأسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليَحميَه مِن حرِّ الشَّمسِ، وقد جَعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَوبَه مِن تَحتِ إبْطِه الأيمَنِ، وعلى عاتِقِه الأيسَرِ، والعاتق: مَا بيْن المَنْكِبِ والعُنُقِ، وهي هَيئةُ الاضْطِباعِ.
قالت أُمُّ الحُصَينِ: فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَولًا كَثيرًا، ثُمَّ سَمِعْتُه يُرشِدُ النَّاسَ: أنَّهم إنْ أُمِّرَ عليهم أميرٌ، ولو كان هذا الأميرُ عَبْدًا مُجَدَّعًا -وهو مَقطوعُ الأنْفِ والأُذُنِ- وهو معَ ذلك أسوَدُ، ولكنَّه يَقودُ النَّاسَ، ويَحكُمُ بيْنهم بكِتابِ اللهِ تعالَى؛ فعليهم أنْ يَسمَعوا له ويُطيعوا، يَعني: أنَّ السَّمعَ والطَّاعةَ واجِبةٌ لهذا الأميرِ معَ هذه الصِّفاتِ الَّتي فيه، ما دامَ مُتمسِّكًا بالإسْلامِ، والدُّعاءِ إلى كِتابِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، ومُقيمًا حُكمَ القُرآنِ المُشتَمِلَ على حُكمِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أيِّ حَالٍ في نَفْسِه، ودِينِه، وأخْلاقِه، ولم يَأمُرْ بمَعصيةِ اللهِ.
فإنْ قيلَ: شَرطُ الإمامِ الحُرِّيَّةُ والقُرَشيَّةُ وسَلامةُ الأعْضاءِ؛ فالجَوابُ: أنَّ هذا فيما لوِ انعَقَدَ بأهلِ الحَلِّ والعَقدِ، أمَّا مَنِ اسْتَولى بالغَلَبةِ فتَحرُمُ مُخالَفَتُه، وتَنفُذُ أحْكامُه، ولو كان عَبدًا، أو فاسِقًا مُسلِمًا، وأيضًا ليس في الحَديثِ أنَّه يَكونُ إمامًا، بلْ قدْ يَفرِضُ إليه الإمامُ أمْرًا منَ الأُمورِ.
ثمَّ قال: «هل بلَّغْتُ؟» وهذا سُؤالٌ لتَقريرِ النَّاسِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَلَّغَهم وأعْلَمَهم بهذا الأمرِ لأهمِّيَّتِه.
وفي الحَديثِ: حَثٌّ على المُدارةِ والمُوافَقةِ معَ الوُلاةِ، وعلى التَّحرُّزِ عمَّا يُثيرُ الفِتنةَ، ويُؤَدِّي إلى اختِلافِ الكَلِمةِ.