باب من ترك الخضاب2

سنن ابن ماجه

باب من ترك الخضاب2

حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا خالد بن الحارث، وابن أبي عدي، عن حميد، قالسئل أنس بن مالك: أخضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إنه لم ير من الشيب إلا نحو سبعة عشر أو عشرين شعرة، في مقدم لحيته (1)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَريمًا طيِّبَ الخُلقِ مع أصحابِه، وكان يُحسِنُ مُخالَطتَهم ويَدْعو لهم، وكانوا يُبادِلونه الحُبَّ والمودَّةَ، ومِن شِدَّةِ حُبِّهم له حَفِظوا صِفاتِه الحسِّيَّةَ والمَعنويَّةَ، وحَدَّثوا بها مَن بعْدَهم.
وفي هذا الحديثِ بيانٌ لصِفةٍ مِن صِفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وشَميلةٌ مِن شَمائلِهِ، فيَرْوي التَّابعيُّ محمَّدُ بنُ سِيرينَ، أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه سُئلَ: «هلْ خضَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟» أي: هلْ غيَّر لونَ شَيبتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَيءٍ مِن الحنَّاءِ أو غَيرِ ذلكَ؟ فأجابَ أنسٌ بما رآهُ وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمْ يَكثُرِ الشَّيبُ في شَعرِهِ، ولم يُخرجْه عن سَوادِهِ وحُسنِه، إنَّما كانَ شَيئًا يَسيرًا؛ فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُوفِّيَ وفي رأسِه ولحيتِه عُشرونَ شَعرةٍ بَيضاءَ، كما في رِوايةٍ في الصَّحيحينِ، ثمَّ يُبيِّنُ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الَّذي خضَبَ إنَّما هو أبو بكرٍ وعُمرُ رَضيَ اللهُ عنهما، وذلك لظُهورِ الشَّيبِ بشَعرِهم، وكانوا يَخضِبون بالحِنَّاء والكَتَمِ، وهو نَبتٌ يُصبَغُ به، وصِبغُه أصفَرُ، وقيلَ: أسوَدُ يَميلُ إلى الحُمْرةِ، وصِبْغُ الحِنَّاءِ أحمَرُ، وإذا خُلِطَا معًا يَخرُجُ صِبغُهما أسوَدَ مائِلًا إلى الحُمرةِ.
وفي الشَّمائلِ للتِّرمذيِّ: سُئِل أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: هلْ خَضَب رسولُ اللهِ؟ قال: نعمْ. وفي حَديثِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما عِندَ أبي داودَ: «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصفِّرُ لِحيَتَهُ بالوَرْسِ والزَّعْفرانِ»، والوَرْسُ: نَباتٌ كالسِّمْسمِ أصفَرُ، والزَّعْفرانُ: نَباتٌ ذو لَونٍ ورائِحةٍ طيِّبةٍ.
وممَّا قيلَ في الجَمعِ بيْنَ هذه الأحاديثِ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رُبَّما كان يَستعمِلُ الوَرْسَ والزَّعفرانَ للتَّنظيفِ والتَّطيُّبِ، فيَبقَى أثَرُه عليه، ولم يَكُنْ يَستَعمِلُه في الصَّبغِ. وقيلَ: بل يُحمَلُ نَفيُ أنَسٍ للاختِضابِ على عَدَمِ غَلَبةِ الشَّيبِ، فلم يَحتَجْ إلى خِضابِهِ، أوْ لم يَتَّفقْ لأنَسٍ أنَّه رآهُ وهو مُخضَّبٌ، ويُحمَلُ حَديثُ مَن أثبَتَ الخِضابَ على أنَّه فَعَلَهُ لِبَيانِ الجَوازِ ولم يُواظِبْ عليه.