باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة 1
بطاقات دعوية
عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "هل ترَوْن قِبلتي ههُنا؟ فواللهِ ما يَخفى عليَّ خشوعُكم، ولا ركوعُكم، [و] إني لأَراكم من وراءِ ظهري".
الخُشوعُ رُوحُ الصَّلاةِ، وبه يَحصُلُ للمُصلِّي السَّكينةُ والاطْمِئنانُ في الصَّلاةِ؛ فيكونُ أكثرَ إقْبالًا على اللهِ سُبحانَه، وقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ المُسلِمينَ آدابَ الصَّلاةِ ومُهمَّاتِها؛ ليَكونَ أتمَّ لصلاتِهم.
وفي هذا الحَديثِ يخبِرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأل أصحابَه: «هل تَرَوْنَ قِبْلَتي هاهُنا؟»، وهذا استِفهامُ إنكارٍ لِما يَلْزَمُ منه، أي: أنتم تَظنُّونَ أنِّي لا أَرى فِعْلَكم؛ لِكَوْنِ قِبْلَتي في هذه الجِهَة؛ لأنَّ مَنِ استقبَلَ شيئًا استدبَرَ ما وراءَه-، ثمَّ بَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ رُؤْيَتَه لا تختَصُّ بجهةٍ واحدةٍ، فأقسِمَ بالله أنَّه يَرى مَن يَخشَعُ في الصَّلاةِ، ومَن لا يخشَعُ فيها خَلْفَه؛ وأرادَ بذلِك حَضَّهم على الخُشوعِ، وإتمامِ الرُّكوعِ في الصَّلاةِ.وقوله: «إنِّي لَأَراكم مِن وراءِ ظَهْري» معناه: أنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إدراكًا مِن ورائِه، وهذا مِن خَصائِصِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وإبصارُه إدراكٌ حَقيقيٌّ انخرَقَت له فيه العادةُ، وقد انخرَقَت العادةُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأكثَرَ من هذا، وليس يمنَعُ مِن هذا عَقْلٌ ولا شَرْعٌ، بلْ وَرَدَ الشَّرعُ بظاهِرِه؛ فوجَبَ الإيمانُ به.ويَحتمِلُ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَراهم بما يوحَى إليه مِن أفعالِهم وهَيئاتِهم في الصلاةِ؛ لأنَّ الرُّؤيةَ قد يُعبَّرُ بها عن العِلمِ والاعتِقادِ.والمَعنى المُرادُ مِن ذلك: اخْشَعوا في الصَّلاةِ، وأَتِمُّوا أركانَها كأنِّي أَنظُرُ إليكم وأُوَجِّهُكم إلى صَحيحِها؛ فإنِّي أرَى أحْوالَكم في الصَّلاةِ مِن وَرائي حالَ كَوْني واقِفًا إمامًا لكم وأنتم خَلْفي، كما أَراكم وأنا ناظرٌ إليكم أمامي.
وفي الحديثِ: مِن دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.