باب غزوة الرجيع، ورعل وذكوان وبئر معونة 3
بطاقات دعوية
عن عروة قال: لما قتل الذين ببئر معونة , وأسر عمرو بن أمية الضمرى؛ قال: له عامر بن الطفيل: من هذا؟ فأشار إلى قتيل، فقال: له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة. فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء؛ حتى إنى لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع , فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم، فنعاهم، فقال:
«إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم، فقالوا ربنا! أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك، ورضيت عنا"، فأخبرهم عنهم، وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت -فسمى عروة به- ومنذر بن عمرو؛ سمى به منذرا (55).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَبعَثُ أصْحابَه إلى البِلادِ والأمْصارِ للقيامِ بواجِبِ الدَّعْوةِ إلى اللهِ، وتَعليمِ النَّاسِ دِينَهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ بخَبَرِ أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذين قُتِلوا ببِئرِ مَعونةَ؛ فقد بعَثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُنذِرَ بنَ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنه مع مَجْموعةٍ مِن حَفَظةِ القُرآنِ مِنَ الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم، وكان يُقالُ لهمُ: القُرَّاءُ، فبعَثَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أهلِ نَجْدٍ، في العامِ الرَّابِعِ منَ الهِجْرةِ بعدَ غَزْوةِ أُحُدٍ، ولَمَّا كانوا في مَوضِعٍ يُسَمَّى «بِئرَ مَعونةَ» -وهو مَوضِعٌ ببِلادِ هُذَيلٍ بيْنَ مكَّةَ وعُسْفانَ- غدَرَ بهمُ المُشرِكونَ بقيادةِ عامِرِ بنِ الطُّفَيلِ، بعْدَ أنْ أعطَوْهمُ الأمانَ، فقُتِلوا جَميعًا، عَدا عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْريَّ رَضيَ اللهُ عنه، أسَروه، فلمَّا أُسِرَ سَألَه عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ عن رَجلٍ منَ الصَّحابةِ المَقْتولينَ، فقال له عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ رَضيَ اللهُ عنه: هذا عامِرُ بنُ فُهَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ: لقدْ رأيْتُه بعدَما قُتِلَ رُفِعَ إلى السَّماءِ، حتَّى إنِّي لَأنظُرُ إلى السَّماءِ بيْنه وبيْنَ الأرضِ، ثمَّ وُضِعَ إلى الأرضِ، وهذه كَرامةٌ لعامِرِ بنِ فُهَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه، وبَيانٌ لعَظيمِ قَدْرِه، وقد أُخبِرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَوْتِهم وهو في المَدينةِ، أخْبَرَه الوَحيُ، وأخْبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْحابَه بذلك.
ومِن فَضلِ هؤلاء الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم: أنَّهم لمَّا أُصيبوا ورَأَوْا ما أنعَمَ اللهُ به عليهم، سَأَلوا رَبَّهم عزَّ وجلَّ، فقالوا: رَبَّنا أخْبِرْ عنَّا إخْوانَنا بما رَضِينا عنكَ، ورَضيتَ عنَّا. فاسْتَجابَ لدُعائِهم، وأخْبَرَ اللهُ عنهم إخْوانَهم برِضاهم بقَدَرِ اللهِ تعالَى، ورِضْوانِه تعالَى عنهم، نزَل بذلك الوَحيُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وكان ممَّن قُتِلَ منَ الصَّحابةِ في هذا اليومِ: عُرْوةُ بنُ أسْماءَ بنِ الصَّلْتِ، ومُنذِرُ بنُ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، وقد سَمَّى الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه وَلَدَيْه باسْمَيْهِما.
وفي الحَديثِ: دَليلٌ على أنَّ أهلَ الحَقِّ قد يَنالُ منهمُ المُبطِلونَ، ولا يكونُ ذلك دالًّا على فَسادِ ما عليه أهلُ الحَقِّ؛ بل كَرامةً لهم، وشَقاءً لأهلِ الباطِلِ.
وفيه: فَضلُ الصَّحابيِّ عامِرِ بنِ فُهَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه.