باب غزوة الرجيع، ورعل وذكوان وبئر معونة 2
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول - صلى الله عليه وسلم - على عدو (وفي رواية: فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على قومهم 4/ 35)، [وكان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد 2/ 14] [قبلهم، فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد 5/ 44] (54)، فأمدهم بسبعين [راكبا] من الأنصار، كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة، [فعرض لهم حيان من بني سليم: رعل وذكوان، فقال القوم: والله ما إياكم أردنا، إنما نحن مجتازون في حاجة للنبى - صلى الله عليه وسلم - 5/ 41] , [وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال, فقال: يكون لك أهل السهل، ولى أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف، فطعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان, ائتوني بفرسى, فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم -وهو رجل أعرج- ورجل من بني فلان قال: كونا قريبا [مني] حتى آتيهم، فإن آمنوني؛ كنتم قريبا، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم , [فتقدم] , فقال: أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ [فأمنوه] , فجعل يحدثهم ,وأومؤوا إلى رجل، فأتاه من خلفه فطعنه حتى أنفذه بالرمح, [قال أنس: لما طعن حرام بن ملحان -وكان خاله- قال: بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم] قال: الله أكبر , فزت ورب الكعبة. [ثم مالوا على بقية أصحابة] , فلحق الرجل , فقتلوا كلهم] , وغدروا بهم؛ [غير الأعرج كان في رأس جبل] , [فأخبر جبريل -عليه السلام - النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قد لقوا ربهم، فرضى عنهم وأرضاهم]، فقنت شهرا يدعو في [صلاة] الصبح (وفي طريق: فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين (وفي أخرى: أربعين) صباحا) على أحياء من أحياء العرب؛ على رعل، وذكوان، و [بنى] عصية , وبني لحيان [الذين عصوا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم] , [وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت] , [فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم 4/ 67. وفي رواية: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حزن حزنا قط أشد منه 2/ 84] , قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا (وفي طريق: فأنزل الله تعالى علينا قرآنا كتابا) , ثم إن ذلك رفع (وفي طريق: ثم كان من المنسوخ): [ألا] بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا (وفي طريق: ورضينا عنه 5/ 44).
الدُّعاءُ هو مَلْجأُ العَبدِ إلى رَبِّه؛ لِيَستَجيرَ به، وقدْ شُرِعَ القُنوتُ عِندَ النَّوازِلِ والمُلِمَّاتِ؛ لِأنَّ الدُّعاءَ يُقَوِّي القَلبَ، ويَزيدُ الإيمانَ، ويُريحُ القَلبَ المَحزونَ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتاهُ رُسلٌ من رِعْلٌ، وذَكْوانُ، وعُصَيَّةُ، وبَنو لِحْيانَ – وهي أسماءُ قَبائلَ مِن العرَبِ- فزَعَموا أنَّهم قد أسلَموا، وطَلَبوا من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدَدَ على قَومِهم، بأنْ يُرسِلَ معهم مَن يَدْعونَ أقوامَهم ويُعَلِّمونَهمُ الإسلامَ، فأمَدَّهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبعينَ مِنَ الأنصارِ، وكانَ أميرُهمُ المُنْذرَ بنَ عَمْرٍو، وقيلَ: مَرثَدَ بنَ أبي مَرثَدٍ، وكان المُسلِمونَ يُسمُّونَ هؤلاء السَّبعينَ: القُرَّاءَ؛ لِكَثرةِ قِراءَتِهم لِلقُرآنِ، وكانوا يَجمَعونَ الحَطَبَ بالنَّهارِ، يَشتَرونَ به الطَّعامَ لِأهلِ الصُّفَّةِ -وهُم جَماعةٌ مِن فُقَراءِ المُسلِمينَ يَعيشون في المسجدِ النَّبويِّ- ويُصَلُّونَ باللَّيلِ.
فانطَلَقوا بهم، حتَّى بَلَغوا بِئرَ مَعونةَ -وهو مَوضِعٌ ببِلادِ هُذَيْلٍ بيْنَ مَكَّةَ وعُسْفانَ- غَدَروا بهم وقَتَلوهم، وكان ذلك في صَفَرٍ مِنَ السَّنةِ الرَّابِعةِ مِنَ الهِجرةِ، فقَنَتَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهرًا يَدعو على رِعْلٍ وذَكْوانَ وبَني لِحْيانَ، فشَرَّكَ بَينَ بَني لِحْيانَ وعُصَيَّةَ وغَيرِهم في الدُّعاءِ؛ لِأنَّ خَبَرَ بِئرِ مَعونةَ وخَبَرَ أصحابِ الرَّجيعِ جاء إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في لَيلةٍ واحِدةٍ. ويَحتمِلُ أنَّه يُريدُ أنَّ حادِثةَ بِئرِ مَعونةَ كانتْ بِدايةً لقُنوتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قنَتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لكُلِّ حادثةٍ بعدَها.
ويَحكي أنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم نزَلَ فيهمْ قُرآنٌ وكانوا يَقْرَؤونه: «ألَا بَلِّغوا عَنَّا قَوْمَنا بأنَّا قَد لَقِينا رَبَّنا فَرَضيَ عَنَّا وأرْضانا»، ثمَّ رُفِعَ بعْدَ ذلك ونُسِخَتْ تِلاوَتُه.
وفي الحَديثِ: الدُّعاءُ على أهلِ الغَدْرِ وانتِهاكِ المَحارِمِ، والإعلانُ بأسمائهِم، والتَّصريحُ بذِكْرِهم.
وفيه: حِرصُ الصَّحابةِ على الشَّهادةِ، وفَرَحُهم لِنَيْلِها.
وفيه: دَليلٌ على أنَّ أهلَ الحَقِّ قدْ يَنالُ منهم المُبطِلونَ، ولا يَكونُ ذلك دَالًّا على فَسادِ ما عليه أهلُ الحَقِّ، بل كَرامةٌ لهم، وشَقاءٌ لِأهلِ الباطِلِ.